يقول
الله تعالى: "وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ
تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ" (البقرة:281)
يقول ابن كثير: هذه الآية آخر مانزل من القرآن العظيم، وقد عاش النبي صلى
الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليالٍ ثم انتقل إلى الرفيق الأعلى.
أيها الأحبة في الله: إنها أعظم وصية... كيف لا؟ وهي وصية رب العالمين
وخالق الخلق أجمعين.. العالِم بما يصلح حالهم.. والمطلع على مصيرهم ومآلهم
وماينتظرهم من مواقف وأهوال لا ينجو منها إلا المتقون. فأوصانا -وهو الرحيم
بنا- بما ينجينا من سخطه وعذابه، فأمرنا بالتقوى.
فما هي التقوى ياعباد الله؟
إنها هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وذلك باتباع أوامره واجتناب نواهيه.
وهي أن تأتي مايحب مولاك وتبتعد عما يكره.
هي أن يجدك حيث أمرك.. في كثرة الخطا إلى المساجد، في بر الوالدين، في صلة
الأرحام، في الصدقة، في الإحسان إلى الفقير والأرملة واليتيم، في غض البصر،
في حفظ الفرج، في كف البصر، في صون السمع عن المعازف والغانيات
(المغنيات)، في حفظ اللسان عن أعراض المسلمين والمسلمات، في الوفاء بالعهد،
في قيام الليل، في قراءة القرآن، في صيام الهواجر، وفي كل باب من أبواب
الخير لتنال محبة الله وتكون يوم القيامة من الفائزين ويوم الحشر من
الآمنين، وتكون ممن ينادى عليهم "يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ
الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ" (الزخرف:68) وتتلقاك الملائكة تطمئنك
حتى لا تفزع مما ترى وتبشرك بالجنة: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا
تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ
تُوعَدُونَ" (فصلت:30)
من أراد النجاة.. من أراد الفوز.. من أراد السعادة الكبرى... من أراد
النعيم المقيم .. فلا يجعل هذه الآية تبرح خياله ولا تغيب عن باله: واتقوا
يوماً ترجعون فيه إلى الله.. يا له من يوم عظيم.. إنه ليس ككل الأيام.. إنه
يوم الرجوع إلى رب العالمين.. يوم تجتمع فيه الخلائق من أولهم إلى آخرهم،
يخرجون من قبورهم ويجتمعون على صعيد واحد بانتظار الحساب.. بانتظار
النتائج..
فآخذ كتابه بيمينه وآخذ كتابه بشماله..
"فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا
كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي
عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ *
كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ
الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا
لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا
لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ
عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ
ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ" (الحاقة:19-32)
إنها إما فوز وعز وسعادة أو خسارة وذل وشقاء.
أيها الأحبة: إن الأمر جد خطر، وليس من العقل ولا الحكمة التشاغل عنه
بتوافه الأمور وصغائر الهمم لأن الغفلة عنه تورث الندامة لم يغفل عنه
الأنبياء وهم من هم، ولا الصالحون أهل التقوى والخشية والإيمان.
قام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وخطب في أصحابه فقال لهم: "لو تعلمون
ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً"ً. فغطوا وجوههم ولهم خنين. [متفق
عليه]
فكن ياعبد الله من أصحاب العقول الراجحة والقلوب الواعية واعمل ليوم
الحساب، ولا يغرنك طول الأمل فالموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل، والكيس
من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على
الله الأماني.
اللهم أحسن ختامنا ويمن كتابنا واختم بالصالحات أعمالنا واجعل الجنة دارنا
واجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم حبب إلينا وزينه
في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.