نتساءل أحيانا لماذا الحب مؤلم؟ الحب مؤلم لأنه هو الذي يخلق الطريق إلى السعادة. الحب مؤلم لأنه يتغير باستمرار، الحب متحول وكل تحول سيكون مؤلم لأنك ستترك القديم والماضي وتترك نحو جديد لم تألفه من قبل. وهذا هو سبب الألم، فالقديم مألوف وآمن لك لكن الجديد مجهول وغريب عليك، ستعوم في محيط مجهول ولن تتمكن من استعمال عقلك هذه المرة لأنك تواجه شيئاً جديداً، تحدياً جديداً. فعقلك متأقلم مع القديم ويستطيع فقط أن يتعامل معه، أما مع الشيء الجديد فيكون تماماً عديم النفع.
ومن هنا ينهض الخوف في داخلك لأنك تركت العالم القديم المريح الآمن. لكن هذا الألم من نوع خاص، فهو كالألم الذي يحس به الطفل ساعة الولادة وهو يخرج من رحم أمه إلى هذا العالم. هو نفس الألم الذي يحس به العصفور وهو يخرج من بيضته. هو نفس الألم الذي يشعر به الطير عندما يحاول أن يفرد جناحاته ويطير لأول مرة.
إن الخوف من المجهول والشعور بعدم الأمان تجاهه، وتقلب واختلاف المجهول، كلها عوامل تشعرك معاً بالخوف من المجهول والخوف من مواجهته. ولأن التحول يكون من الأنانية إلى الفردية والتواضع،في المقابل يكون الألم كبيراً وتكون المعاناة كبيرة. لكن يجب أن تتأكد انك لن تكون سعيداً ومنتشياً ما لم تمر في الحزن والمعاناة. فالذهب لا يمكن أن يصبح ثميناً ونقياً وجميلاً ما لم يحرق بالنار.
يقال أن الحب نار وهذا بسبب الألم الذي يسببه. الملايين من الناس يعيشون العشق وهم أيضاً يعانون لكن معاناتهم هذه عقيمة بلا نفع لأن المعاناة في الحب لا تكون لشيء فارغ وسطحي. إن المعاناة في الحب تعني أن تكون مبدعاً يعني أن تنتقل إلى أعلى درجات الوعي. إن معاناتك من غير حب ليست سوى تبذير، فهي لا تقودك إلى أي مكان ولا تخرجك من دائرة الشر بل تبقيك فيها.
إن الإنسان الذي يعيش بلا حب يكون نرجسياً ومغلقاً لا يعرف أحداً غير نفسه وكيف سيعرف نفسه ويكتشفها ما لم يعرف الآخر؟؟ وذلك لأن الآخر هو المرآة التي يرى فيها كل إنسان نفسه. لن تتعرف على نفسك أبداً ما دمت لا تعرف الآخرين، فالحب شيء أساسي لتتعرف على نفسك أيضاً. فالإنسان الذي لم يتعرف على آخرين بحب عميق وبألم شديد وبسعادة مطلقة، لن يتمكن أبداً من أن يعرف ذاته وذلك لأنه لا يملك المرآة التي يستطيع أن يرى فيها نفسه المنعكسة عن الآخرين.
إن العلاقات بين الناس هي مرآتك وأصغى هذه المرآة وأرفعها وأنظفها وأفضلها هو الحب، فالحب الرفيع يتطلب منك أن تكون مفتوحاً على الأكوان، والحب الرفيع يتطلب أن تكون ليّناً وربما ضعيفاً، يتطلب منك أن تلقي كل الدروع والحواجز التي أحطت نفسك بها. وهذا مؤلم بلا شك، فعليك أن تتخلص من عقليتك التجارية والحسابية، عليك أن تخاطر أو تضحي. فالآخر يمكن أن يجرحك ويمكن أيضاً أن يرفضك ومن هنا يأتي خوفك من أن تكون ضعيفاً وهنا يأتي خوفك من أن تعيش الحب وفي الحب وللحب...
إن الانعكاس الذي ستراه لنفسك من خلال الآخرين قد يكون قبيحاً وهذا هو سبب قلقك وخوفك وتجنبك للعلاقات التي تعكس لك صورتك. لكن تجنبك وابتعادك عن المرآة لن يجعلك جميلاً على الإطلاق وعن طريق تجنبك للحب لن تنمو أبداً، والحل الوحيد هو أن تنطلق وتأخذ هذا التحدي بجدية وحب وقوة.
كل إنسان يجب أن يعيش الحب ويتعرف عليه لأنه الخطوة الأولى باتجاه الله والتي لا يمكن تخطيها. وهؤلاء الذين يحاولون تخطي الحب لن يتمكنوا يوماً من الوصول الى الله. إن الحب ضروري لأنه يجعلك واعياً بالكامل. وهذا ما يحصل فقط عندما تكون مهتماً لحضور الآخر، فعندما يكون وجودك مقترناً بوجود شخص آخر فانك ستتخلص من نرجسيتك وستخرج من ثوبها الذي لبسته. عليك أن تتخلص من كل الحدود التي فرضتها على نفسك، فالحب سماء مفتوحة ولتكون في حب عليك أن تحلق بعيداً في هذه السماء. والسماء غير المحدودة تسبب لك الخوف والألم بلا شك.
إن الحب يتطلب منك أن تتخلص من "الأنا" وهذا طبعاً مؤلم جداً لنفسك لأنك تعلمت أن تزرع الأنا. كلنا نعتقد أن الأنا هو كنزنا الوحيد ولهذا السبب قمنا كلنا بلا أي استثناءات بحمايته وقمنا بتزيينه وصقله وتهذيبه. وعندما يطرق الحب بابنا، أهم شيء علينا عمله لنتعرف على الحب ونعيشه هو أن نتخلص من الأنا ونضعه جانباً وهذا طبعاً وبلا أي شك مؤلم للغاية. فالأنا بالنسبة لك كل عملك وبناؤك طوال حياتك، هو ما استطعت أن تفعله وتنجزه في حياتك كلها. لكن الحب يستحيل أن ينمو في داخلك قبل أن تتخلى عن ذلك الأنا القبيح والسيء. لن يعيش الحب فيك ولن تعيش أنت فيه حتى تتخلص من فكرة انك شيء مختلف عن هذا الكون والوجود. إن هذه الفكرة سيئة وسخيفة لأنها غير حقيقية، إن هذه الفكرة خداع للنفس والآخرين، فأنت لست منفصلاً عن كل شيء لكنك جزء من الكل. فالكل يتنفس من خلالك والكل يعيش من خلالك، والكل يخفق فيك ومن خلالك. إن الكل هو حياتك.
إن الحب هو الذي يمنحك التجربة الأولى في كيفية العيش بتناغم مع شيء آخر غير الأنا. إن الحب يعطيك الدرس الأول في كيفية عيشك بانسجام وتوافق مع شخص لم يكن في يوم من الأيام جزء من أناك، فإذا استطعت أن تنسجم مع امرأة أو رجل، وإذا استطعت أن تنسجم مع صديق، وإذا استطعت أن تعيش بانسجام مع أطفالك أو مع أمك... فإذاً لماذا لا تعيش بتناغم مع كل الناس؟؟ فإذا كان تناغمك وتوافقك مع شخص واحد فقط يمنحك الفرح والسعادة، هل تتخيل كيف ستكون سعادتك وأنت متناغم مع كل الناس؟؟ وإذا كنت متناغماً ومتفقاً مع كل الناس، لماذا لا تكون متفقاً مع الحيوانات والطيور والأشجار؟؟ هكذا هو الحب، كل خطوة فيه تقود إلى أخرى ابعد وأرقى. إن الحب سلم يبدأ بشخص واحد وينتهي بكل الناس. الحب هو البداية والله هو النهاية. إن خوفك من الحب وخوفك أنت آلام الحب سيبقيك مسجوناً في غرفة مظلمة طوال عمرك. إن الإنسان الحديث يعيش في صومعة مظلمة اسمها النرجسية. فالنرجسية اعظم واكبر هاجس وفكرة تستحوذ على العقل الحديث.
بسبب النرجسية تظهر عند الإنسان مشاكل كثيرة لكن هذه المشاكل بلا أي معنى أو فائدة. هذه المشاكل لا تأخذك الى أي مكان بل تبقيك مقيداً ومشغولاً ومرتبكاً دائماً، تبقيك مسجوناً في الفوضى القديم. لكن مقابل تلك المشاكل التي لا معنى لها، توجد مشاكل مبدعة لأنها تقودك الى وعي اكبر ونضوج اكثر. وهذه المشاكل متمثلة في الحب.
الحب يخلق المشاكل ويمكنك فقط تجنب هذه المشاكل بتجنب الحب، لكن هذه المشاكل أساسية جداً ويجب مقابلتها ومواجهتها. يجب أن نعيشها ونمر من خلالها وإلى ما بعدها، وللوصول إلى ما بعدها لا يوجد طريق آخر غير المرور بها. إن الحب هو الشيء الوحيد الحقيقي الذي يستحق التجربة وكل ما عداه ثانوي، إذا كان يساعد الحب إذاً فلنأخذه لأنه سيكون جيداً. إن الحب هو النهاية، نهاية الأنا، نهاية الكره، نهاية الأنانية، نهاية الضياع. إذاً مهما كان نوع الألم الذي ستواجهه، ادخل إلى عالم الحب، عش في الحب وبالحب وللحب.
إذا قررت أن لا تعيش الحب كما قرر كثيرون من قبلك، فانك ستبقى ملتصقاً بنفسك. عندها لن تكون حياتك مقدسة مثل الصلاة ومثل الحج، ولن تكون حياتك مثل نهر يتدفق ويجري ليصب في المحيط بل ستكون مجرد بحيرة راكدة ووسخة، ولن يبقى فيها بعض لحظات سوى القذرات والطين. لكن لتبقى نظيفاً عليك أن تتدفق، فالنهر يبقى دائماً وأبداً نظيفاً لأنه يتدفق ويجري باستمرار. فالتدفق هو الوسيلة الوحيدة لتبقى نظيفاً وعذرياً دائماً ومدى الحياة.
إن العاشق يبقى دائماً طاهراً وعذرياً. كل العشاق عذريين وكل الآخرون الذين لا يعرفون الحب لا يمكن أن يبقوا على عذريتهم وطهارتهم، سيتحولون إلى الخمول والركود، وسيبدؤون بالتعفن عاجلاً أم آجلاً لأنهم لا يملكون أي مكان يذهبون إليه؛ فحياتهم كله ميتة. ولهذا السبب كل أنواع الاضطرابات العصبية وكل أنواع الجنون أصبحت منتشرة في المجتمع الحديث ومتفشية فيه. والأمراض النفسية أصبحت منتشرة بشكل وبائي، والحقيقة هي أن الأرض كلها أصبحت مستشفى مجانين، والبشرية كلها تعاني من أنواع مختلفة من اضطراب الأعصاب وهذه الاضطرابات كلها ناتجة من نرجسيتك الثابتة؛ فكل واحد ملتصق بوهمه الذاتي بأنه منفصل ومختلف عن كل شيء. وفي النهاية يكون أمام الإنسان خياران، أحدهما هو أن يصاب بالجنون وهذا الجنون بلا أي معنى أو فائدة، فهو غير منتج أو مبدع أو خلاّق. والخيار الآخر هو الانتحار، والانتحار أيضاً غير مجدٍ أو نافع أو خلاّق.
قد لا ترتكب الانتحار بتناول السم أو بالقفز من أعلى الصخور أو بقتل نفسك بالرصاص، بل يمكنك أن تنتحر بطريقة بطيئة جداً وهذا ما يحدث حالياً بشكل متكرر. فالقليل من الناس الذين يقررون الانتحار السريع والأغلبية هم الذين قرروا أن ينتحروا تدريجياً وببطء فيموتون لكن ببطء شديد. الميل إلى الانتحار اصبح تقريباً ظاهرة عالمية.
إن طريقة حياتنا ليست حياة على الإطلاق والسبب الأساسي هو أننا نسينا لغة الحب. السبب هو أننا لم تعد لدينا الشجاعة الكافية لندخل بها إلى تلك المغامرة التي تسمى "الحب". ومن هنا ولهذا السبب اصبح الناس مهتمين بالجنس لأن الجنس ليس محفوفاً بالمخاطر أو الخوف، فهو مؤقت ولن تكون بعد مدة معينة ملتزماً بأي شيء أو لن تكون مضموناً مع أي شخص. إن الحب اتحاد والتزام وليس مؤقتاً بفترة معينة، فعندما ينمو الحب ويكون له جذوراً في نفسك فانه سيكون أبديا، سيكون اتحاداً والتزاماً طوال عمرك. الحب يحتاج الألفة والمودة وفقط عندما تكون حميماً ومحباً سيكون الآخر مرآة لك، لكن عندما تجتمع مع امرأة جنسياً فانك لا تجتمع معها على الإطلاق. وفي الحقيقة أنت تتجنب روح الشخص الآخر، فلقد قمت فقط باستعمال الجسم وثم هربت وكذلك الآخر يستعمل حسدك ثم يهرب. فلم تكن صريحاً وحميماً أبداً لدرجة أن تكشف للآخر حقيقتك ووجهك الأصلي.
إن الحب مؤلم لكن لا تتجنبه لأنك إذا تجنبته فانك تتجنب اعظم فرصة للنمو والارتقاء. ادخل فيه، عاني منه، لأنك من خلال المعاناة تصل إلى السعادة الحقيقية. نعم هناك معاناة وألم ولكن من المعاناة تولد السعادة والفرحة. نعم سيموت الأنا ولكنك ان استطعت ان تموت كالأنا، فانك ستولد قديساً وشيخاً. وذلك سيمنحك الحب "الصوفي" وحكمة الزن، سيمنحك الحب أي البرهان والدليل على انه يوجد اله للكون وستعرف بان الحياة ليست بلا معنى. فالناس الذين يقولون أن الحياة لا معنى لها، لم يعرفوا الحب يوماً وكل ما يقولونه هو أن الحب كان مفقوداً من حياتهم.
فليكن هناك ألم، فلتكن هناك معاناة، اعبر خلال ظلمة الليل وستصل إلى الشروق الجميل، فمن رحم الليل تخرج الشمس وفقط من خلال ظلمة الليل يطلع النهار.
كل منهجي هنا هو الحب، كل ما اعلمه هو الحب والحب ولا شيء آخر. يمكن أن تنسى كلمة الله لأن الكلمة أبداً لا تقود إلى المعنى، ويمكن أن تنسى الصلاة لأنها مجرد طقوس فرضها الآخرون عليك. الحب هو الصلاة الطبيعية التي لم يفرضها أحد عليك، فقد ولدت بها، الحب هو الذي يدلك على الله ، ليس اله رجال الدين بل اله البوذا ومحمد والمسيح والصوفيين. الحب هو الطريقة التي تقتل بها ذاتك المنفصلة عن الأكوان ويساعدك على أن تكون أزلياً، هو الذي يساعدك على أن تختفي مثل قطرة الندى التي تسقط في المحيط وتصبح هي المحيط. ولتصل إلى هذه الدرجة من الوعي عليك أن تمر خلال باب الحب لتصل إلى طريق الحياة.
بالطبع عندما تبدأ بالإختفاء مثل قطرة الندى في المحيط، فان ذلك سيؤلم كثيراً لأنك ستعتقد انك ستموت. أنت لن تموت لكن الوهم هو الذي سيندثر وينتهي، وفقط عندما يموت الوهم وينتهي ستكون قادراً على اكتشاف نفسك. وهذا الاكتشاف هو الذي سيأخذك إلى قمة السعادة المطلقة، قمة الفرحة والنعمة، قمة الفرح والاحتفال باكتشاف الذات.
أدعوكم جميعاً الى دعوة اسمها التأمل... هذا هو المفتاح للحب وللشهادة. تأمل ساعة خير من عبادة سبعين عام... لنتأمل معاً في كلمة حب وكلمة حرب ولنحيا ما نحب...
ومن هنا ينهض الخوف في داخلك لأنك تركت العالم القديم المريح الآمن. لكن هذا الألم من نوع خاص، فهو كالألم الذي يحس به الطفل ساعة الولادة وهو يخرج من رحم أمه إلى هذا العالم. هو نفس الألم الذي يحس به العصفور وهو يخرج من بيضته. هو نفس الألم الذي يشعر به الطير عندما يحاول أن يفرد جناحاته ويطير لأول مرة.
إن الخوف من المجهول والشعور بعدم الأمان تجاهه، وتقلب واختلاف المجهول، كلها عوامل تشعرك معاً بالخوف من المجهول والخوف من مواجهته. ولأن التحول يكون من الأنانية إلى الفردية والتواضع،في المقابل يكون الألم كبيراً وتكون المعاناة كبيرة. لكن يجب أن تتأكد انك لن تكون سعيداً ومنتشياً ما لم تمر في الحزن والمعاناة. فالذهب لا يمكن أن يصبح ثميناً ونقياً وجميلاً ما لم يحرق بالنار.
يقال أن الحب نار وهذا بسبب الألم الذي يسببه. الملايين من الناس يعيشون العشق وهم أيضاً يعانون لكن معاناتهم هذه عقيمة بلا نفع لأن المعاناة في الحب لا تكون لشيء فارغ وسطحي. إن المعاناة في الحب تعني أن تكون مبدعاً يعني أن تنتقل إلى أعلى درجات الوعي. إن معاناتك من غير حب ليست سوى تبذير، فهي لا تقودك إلى أي مكان ولا تخرجك من دائرة الشر بل تبقيك فيها.
إن الإنسان الذي يعيش بلا حب يكون نرجسياً ومغلقاً لا يعرف أحداً غير نفسه وكيف سيعرف نفسه ويكتشفها ما لم يعرف الآخر؟؟ وذلك لأن الآخر هو المرآة التي يرى فيها كل إنسان نفسه. لن تتعرف على نفسك أبداً ما دمت لا تعرف الآخرين، فالحب شيء أساسي لتتعرف على نفسك أيضاً. فالإنسان الذي لم يتعرف على آخرين بحب عميق وبألم شديد وبسعادة مطلقة، لن يتمكن أبداً من أن يعرف ذاته وذلك لأنه لا يملك المرآة التي يستطيع أن يرى فيها نفسه المنعكسة عن الآخرين.
إن العلاقات بين الناس هي مرآتك وأصغى هذه المرآة وأرفعها وأنظفها وأفضلها هو الحب، فالحب الرفيع يتطلب منك أن تكون مفتوحاً على الأكوان، والحب الرفيع يتطلب أن تكون ليّناً وربما ضعيفاً، يتطلب منك أن تلقي كل الدروع والحواجز التي أحطت نفسك بها. وهذا مؤلم بلا شك، فعليك أن تتخلص من عقليتك التجارية والحسابية، عليك أن تخاطر أو تضحي. فالآخر يمكن أن يجرحك ويمكن أيضاً أن يرفضك ومن هنا يأتي خوفك من أن تكون ضعيفاً وهنا يأتي خوفك من أن تعيش الحب وفي الحب وللحب...
إن الانعكاس الذي ستراه لنفسك من خلال الآخرين قد يكون قبيحاً وهذا هو سبب قلقك وخوفك وتجنبك للعلاقات التي تعكس لك صورتك. لكن تجنبك وابتعادك عن المرآة لن يجعلك جميلاً على الإطلاق وعن طريق تجنبك للحب لن تنمو أبداً، والحل الوحيد هو أن تنطلق وتأخذ هذا التحدي بجدية وحب وقوة.
كل إنسان يجب أن يعيش الحب ويتعرف عليه لأنه الخطوة الأولى باتجاه الله والتي لا يمكن تخطيها. وهؤلاء الذين يحاولون تخطي الحب لن يتمكنوا يوماً من الوصول الى الله. إن الحب ضروري لأنه يجعلك واعياً بالكامل. وهذا ما يحصل فقط عندما تكون مهتماً لحضور الآخر، فعندما يكون وجودك مقترناً بوجود شخص آخر فانك ستتخلص من نرجسيتك وستخرج من ثوبها الذي لبسته. عليك أن تتخلص من كل الحدود التي فرضتها على نفسك، فالحب سماء مفتوحة ولتكون في حب عليك أن تحلق بعيداً في هذه السماء. والسماء غير المحدودة تسبب لك الخوف والألم بلا شك.
إن الحب يتطلب منك أن تتخلص من "الأنا" وهذا طبعاً مؤلم جداً لنفسك لأنك تعلمت أن تزرع الأنا. كلنا نعتقد أن الأنا هو كنزنا الوحيد ولهذا السبب قمنا كلنا بلا أي استثناءات بحمايته وقمنا بتزيينه وصقله وتهذيبه. وعندما يطرق الحب بابنا، أهم شيء علينا عمله لنتعرف على الحب ونعيشه هو أن نتخلص من الأنا ونضعه جانباً وهذا طبعاً وبلا أي شك مؤلم للغاية. فالأنا بالنسبة لك كل عملك وبناؤك طوال حياتك، هو ما استطعت أن تفعله وتنجزه في حياتك كلها. لكن الحب يستحيل أن ينمو في داخلك قبل أن تتخلى عن ذلك الأنا القبيح والسيء. لن يعيش الحب فيك ولن تعيش أنت فيه حتى تتخلص من فكرة انك شيء مختلف عن هذا الكون والوجود. إن هذه الفكرة سيئة وسخيفة لأنها غير حقيقية، إن هذه الفكرة خداع للنفس والآخرين، فأنت لست منفصلاً عن كل شيء لكنك جزء من الكل. فالكل يتنفس من خلالك والكل يعيش من خلالك، والكل يخفق فيك ومن خلالك. إن الكل هو حياتك.
إن الحب هو الذي يمنحك التجربة الأولى في كيفية العيش بتناغم مع شيء آخر غير الأنا. إن الحب يعطيك الدرس الأول في كيفية عيشك بانسجام وتوافق مع شخص لم يكن في يوم من الأيام جزء من أناك، فإذا استطعت أن تنسجم مع امرأة أو رجل، وإذا استطعت أن تنسجم مع صديق، وإذا استطعت أن تعيش بانسجام مع أطفالك أو مع أمك... فإذاً لماذا لا تعيش بتناغم مع كل الناس؟؟ فإذا كان تناغمك وتوافقك مع شخص واحد فقط يمنحك الفرح والسعادة، هل تتخيل كيف ستكون سعادتك وأنت متناغم مع كل الناس؟؟ وإذا كنت متناغماً ومتفقاً مع كل الناس، لماذا لا تكون متفقاً مع الحيوانات والطيور والأشجار؟؟ هكذا هو الحب، كل خطوة فيه تقود إلى أخرى ابعد وأرقى. إن الحب سلم يبدأ بشخص واحد وينتهي بكل الناس. الحب هو البداية والله هو النهاية. إن خوفك من الحب وخوفك أنت آلام الحب سيبقيك مسجوناً في غرفة مظلمة طوال عمرك. إن الإنسان الحديث يعيش في صومعة مظلمة اسمها النرجسية. فالنرجسية اعظم واكبر هاجس وفكرة تستحوذ على العقل الحديث.
بسبب النرجسية تظهر عند الإنسان مشاكل كثيرة لكن هذه المشاكل بلا أي معنى أو فائدة. هذه المشاكل لا تأخذك الى أي مكان بل تبقيك مقيداً ومشغولاً ومرتبكاً دائماً، تبقيك مسجوناً في الفوضى القديم. لكن مقابل تلك المشاكل التي لا معنى لها، توجد مشاكل مبدعة لأنها تقودك الى وعي اكبر ونضوج اكثر. وهذه المشاكل متمثلة في الحب.
الحب يخلق المشاكل ويمكنك فقط تجنب هذه المشاكل بتجنب الحب، لكن هذه المشاكل أساسية جداً ويجب مقابلتها ومواجهتها. يجب أن نعيشها ونمر من خلالها وإلى ما بعدها، وللوصول إلى ما بعدها لا يوجد طريق آخر غير المرور بها. إن الحب هو الشيء الوحيد الحقيقي الذي يستحق التجربة وكل ما عداه ثانوي، إذا كان يساعد الحب إذاً فلنأخذه لأنه سيكون جيداً. إن الحب هو النهاية، نهاية الأنا، نهاية الكره، نهاية الأنانية، نهاية الضياع. إذاً مهما كان نوع الألم الذي ستواجهه، ادخل إلى عالم الحب، عش في الحب وبالحب وللحب.
إذا قررت أن لا تعيش الحب كما قرر كثيرون من قبلك، فانك ستبقى ملتصقاً بنفسك. عندها لن تكون حياتك مقدسة مثل الصلاة ومثل الحج، ولن تكون حياتك مثل نهر يتدفق ويجري ليصب في المحيط بل ستكون مجرد بحيرة راكدة ووسخة، ولن يبقى فيها بعض لحظات سوى القذرات والطين. لكن لتبقى نظيفاً عليك أن تتدفق، فالنهر يبقى دائماً وأبداً نظيفاً لأنه يتدفق ويجري باستمرار. فالتدفق هو الوسيلة الوحيدة لتبقى نظيفاً وعذرياً دائماً ومدى الحياة.
إن العاشق يبقى دائماً طاهراً وعذرياً. كل العشاق عذريين وكل الآخرون الذين لا يعرفون الحب لا يمكن أن يبقوا على عذريتهم وطهارتهم، سيتحولون إلى الخمول والركود، وسيبدؤون بالتعفن عاجلاً أم آجلاً لأنهم لا يملكون أي مكان يذهبون إليه؛ فحياتهم كله ميتة. ولهذا السبب كل أنواع الاضطرابات العصبية وكل أنواع الجنون أصبحت منتشرة في المجتمع الحديث ومتفشية فيه. والأمراض النفسية أصبحت منتشرة بشكل وبائي، والحقيقة هي أن الأرض كلها أصبحت مستشفى مجانين، والبشرية كلها تعاني من أنواع مختلفة من اضطراب الأعصاب وهذه الاضطرابات كلها ناتجة من نرجسيتك الثابتة؛ فكل واحد ملتصق بوهمه الذاتي بأنه منفصل ومختلف عن كل شيء. وفي النهاية يكون أمام الإنسان خياران، أحدهما هو أن يصاب بالجنون وهذا الجنون بلا أي معنى أو فائدة، فهو غير منتج أو مبدع أو خلاّق. والخيار الآخر هو الانتحار، والانتحار أيضاً غير مجدٍ أو نافع أو خلاّق.
قد لا ترتكب الانتحار بتناول السم أو بالقفز من أعلى الصخور أو بقتل نفسك بالرصاص، بل يمكنك أن تنتحر بطريقة بطيئة جداً وهذا ما يحدث حالياً بشكل متكرر. فالقليل من الناس الذين يقررون الانتحار السريع والأغلبية هم الذين قرروا أن ينتحروا تدريجياً وببطء فيموتون لكن ببطء شديد. الميل إلى الانتحار اصبح تقريباً ظاهرة عالمية.
إن طريقة حياتنا ليست حياة على الإطلاق والسبب الأساسي هو أننا نسينا لغة الحب. السبب هو أننا لم تعد لدينا الشجاعة الكافية لندخل بها إلى تلك المغامرة التي تسمى "الحب". ومن هنا ولهذا السبب اصبح الناس مهتمين بالجنس لأن الجنس ليس محفوفاً بالمخاطر أو الخوف، فهو مؤقت ولن تكون بعد مدة معينة ملتزماً بأي شيء أو لن تكون مضموناً مع أي شخص. إن الحب اتحاد والتزام وليس مؤقتاً بفترة معينة، فعندما ينمو الحب ويكون له جذوراً في نفسك فانه سيكون أبديا، سيكون اتحاداً والتزاماً طوال عمرك. الحب يحتاج الألفة والمودة وفقط عندما تكون حميماً ومحباً سيكون الآخر مرآة لك، لكن عندما تجتمع مع امرأة جنسياً فانك لا تجتمع معها على الإطلاق. وفي الحقيقة أنت تتجنب روح الشخص الآخر، فلقد قمت فقط باستعمال الجسم وثم هربت وكذلك الآخر يستعمل حسدك ثم يهرب. فلم تكن صريحاً وحميماً أبداً لدرجة أن تكشف للآخر حقيقتك ووجهك الأصلي.
إن الحب مؤلم لكن لا تتجنبه لأنك إذا تجنبته فانك تتجنب اعظم فرصة للنمو والارتقاء. ادخل فيه، عاني منه، لأنك من خلال المعاناة تصل إلى السعادة الحقيقية. نعم هناك معاناة وألم ولكن من المعاناة تولد السعادة والفرحة. نعم سيموت الأنا ولكنك ان استطعت ان تموت كالأنا، فانك ستولد قديساً وشيخاً. وذلك سيمنحك الحب "الصوفي" وحكمة الزن، سيمنحك الحب أي البرهان والدليل على انه يوجد اله للكون وستعرف بان الحياة ليست بلا معنى. فالناس الذين يقولون أن الحياة لا معنى لها، لم يعرفوا الحب يوماً وكل ما يقولونه هو أن الحب كان مفقوداً من حياتهم.
فليكن هناك ألم، فلتكن هناك معاناة، اعبر خلال ظلمة الليل وستصل إلى الشروق الجميل، فمن رحم الليل تخرج الشمس وفقط من خلال ظلمة الليل يطلع النهار.
كل منهجي هنا هو الحب، كل ما اعلمه هو الحب والحب ولا شيء آخر. يمكن أن تنسى كلمة الله لأن الكلمة أبداً لا تقود إلى المعنى، ويمكن أن تنسى الصلاة لأنها مجرد طقوس فرضها الآخرون عليك. الحب هو الصلاة الطبيعية التي لم يفرضها أحد عليك، فقد ولدت بها، الحب هو الذي يدلك على الله ، ليس اله رجال الدين بل اله البوذا ومحمد والمسيح والصوفيين. الحب هو الطريقة التي تقتل بها ذاتك المنفصلة عن الأكوان ويساعدك على أن تكون أزلياً، هو الذي يساعدك على أن تختفي مثل قطرة الندى التي تسقط في المحيط وتصبح هي المحيط. ولتصل إلى هذه الدرجة من الوعي عليك أن تمر خلال باب الحب لتصل إلى طريق الحياة.
بالطبع عندما تبدأ بالإختفاء مثل قطرة الندى في المحيط، فان ذلك سيؤلم كثيراً لأنك ستعتقد انك ستموت. أنت لن تموت لكن الوهم هو الذي سيندثر وينتهي، وفقط عندما يموت الوهم وينتهي ستكون قادراً على اكتشاف نفسك. وهذا الاكتشاف هو الذي سيأخذك إلى قمة السعادة المطلقة، قمة الفرحة والنعمة، قمة الفرح والاحتفال باكتشاف الذات.
أدعوكم جميعاً الى دعوة اسمها التأمل... هذا هو المفتاح للحب وللشهادة. تأمل ساعة خير من عبادة سبعين عام... لنتأمل معاً في كلمة حب وكلمة حرب ولنحيا ما نحب...