[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
الحمدالله والصلاة والسلام على امام المرسلين وقائد الغر المحجلين رسولنا محمد بن عبداالله وعلى اله وصحبه اجمعين والتابعين وتابع التابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وبعد
سوف يطل شهر كريم وضيف عزيز على النفس المسلمة ينبغى فيه الاكثار من الطاعات والحسنات
فإن شهر رمضان كغيره من الشهور يبدو قمره ثم سرعان ما يختفي مثل طرفة عين، أو كلمح بصر، أو هو أقرب وهو عند ذوي العقول كفئ الظل، بينما تراه سابغا حتى قلص، وزائدا حتى نقص ولا جرم فإن الشيء يترقب زواله : {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39].
وإنّ شهر رمضان هو المضمار وغدا السباق، والسبقة الجنة، والغاية رؤية الله سبحانه، أفلا نائب من خطيئته قبل ختام شهره ؟! ألا إنّكم في أيام أمل من ورائه، أجل فيا ويح طالب الجنة إذا نام ! ويا بؤس الهارب من النار إذا غفا، ثم هو لا يتخوف قارعة حتى تحل به ! ومن هذه حاله فليس هو من عمار الشهر في مراح ولا مغذى.
أصناف الناس في رمضان
إخواني المسلمين : إنّ في هذا الشهر أناسا أشغلوا أنفسهم عن ذكر الله وطاعته حتى قصروا غاية برهم به في جعله موسما حوليا للموائد الزاخرة، وفرصة سانحة للهو والسمر الممتدين إلى بزوغ النهار، فصبحهم مثل ليلهم وأجواؤهم سود، وأجفانهم جمر يومض. جعلوا من هذا الشهر محلا للألغاز الرتيبة، والدعايات المضللة أو المواعيد المضروبة لارتقاب ما يستجد من أفلام هابطة وروائيات مشبوهة ترمى بشرر كالقصر لإحراق ما بقى من أصل حشمة وعفاف أو تدين يستحق التشجيع والإذكاء.
وبذلك تخسر الأمة في كل لحظة مواطنا صالحا يضل ضلالة يغش بها ويخدع، ويسرق ويحتال تمتعا بهذا المرئى والداء المستشرى ولسان حال هؤلاء يقول: صفدت شياطين رمضان إلّا شياطينهم، حتى صاروا بذلك يطلبون ولا يعطون، ويشتهون ولا يصبرون، ويحسنون الجمع، في حين أنهم لا يعرفون القسمة إلى أن تحطمت فيهم روح المغالبة والمقاومة، فلا عجب حينئذ إذا لم يجد هؤلاء بهذا الشهر المبارك ما يجده المؤمنون الصادقون.
وفي المقابل، فإن لهذا الشهر أناسا غض أبصارهم ذكر المرجع وأرق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد هارب من الكسل والخذلان وخائف مقهور وداع مخلص وتكلان موجع.
البدار البدار قبل الفوات
ألا فاتقوا الله أيّها الصائمون القائمون وتنفسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السياق فـ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، وإلّا فما يصنع بالدنيا من خلق للآخره؟! وما يصنع بالمال من عما قليل سيسلبه وتبقى عليه تبعاته وحسناته ؟! فالله الله وأنتم سالمون في الصحة قبل السقم وفي الفسحة قبل الضيق، ويا لفوز من سعوا في فكاك رقابهم من قبل أن تغلق عليهم رهائنهم، ألا إنّ لله عتقاء من النار في هذا الشهر المبارك.
وأمّا هذه الدنيا : فهي غزارة ضرارة حائلة زائلة، لا تعدو أن تكون بزخرفها كما قال الله تعالى : {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف:45].
إنه ما بين أحدنا وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به، وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة مهما طالت، وإن غائبا يحدوه الجديدان الليل والنهار لحري بسرعة الأوبة، فرحم الله امرأ قدم توبته وغالب شهوته فإن أجله مستور عنه وأمله خادع له، والشيطان موكل به يزين له المعصية والتفريط ليركبهما ويمنيه التوبة ليسوفها {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} [النساء:120]. فالبدار البدار قبل مفاجأة الأجل، فلو أن أحدا يجد إلى البقاء نفقا في الأرض أو سلما في السماء دون أن يقضى عليه بالموت، لكان ذلك لسليمان بن داود عليه السلام الذي سخر الله له ملك و {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ(36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ(37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)} [ص:36-38]، هذا مع نبوته وعظيم زلفته غير أنّه لما استوفى طعمته واستكمل مدته رماه قوس الفناء بنبال الموت وأصبحت الديار منه خالية وورثها قوم آخرون.
وإنّ لكم في القرون السالفة لعبرة وإلّا فأين العمالقة؟! وأين الفراعنة وأبناء العراعنة ؟! أين أصحاب مدان الرس؟! وأين عاد وثمود وإرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟!
لا للتسويف
فيا مؤخرا توبته بمطل التسويف لأي يوم أجلت توبتك وأخرت أوبتك ؟! لقد كنت تقول : إذا صمت تبت، وإذا دخل رمضان أنبت، فهذه أيام رمضان عناقد تناقضت لقد كنت في كل يوم تضع قاعدة الإنابة لنفسك ولكن على شفا جرف هار.
ويحك أيها المقصر، فلا تقنع في توبتك إلّا بمكابدة حزن يعقوب عن البين، أو بعبرة داود ومناداة أيوب لربه في ظلمات ثلاث: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87].
أو بصبر يوسف عن الهوى، فإن لم تطق ذلك فبذل إخوته يوم أن قالوا : {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِين} [يوسف:97]. نعم أيها المذنب المقصر لا تخجل من التوبة ولا تستح من الإنابة، فلقد فعلها قبلك آدم وحواء حين قالا : {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]، وفعلها قبلك إبراهيم حين قال : {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82]، وفعلها موسى حين قال : {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص:16].
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أيوب نبي الله لبث في بلائه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوته كانا أخص إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين قال له صاحبه : وماذاك ؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف مابه فلما راح إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له فقال أيوب: لا أدري ماتقول غير أن الله يعلم أني كنت أمر الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في الحق. قال : وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه : {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:42]، فاستبطأته فبلغته فأقبل عليها قد أذهب الله مابه من البلاء فهو أحسن ما كان فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى والله على ذلك رأيت أحدا كان أشبه به منك إذ كان صحيحا قال: فإني أنا هو وكان له أندران: أندر القمح وأندر الشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت في الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض»
فلا إله إلا الله ! من يمنع المذنب من اتوبة ؟! ولا إله ألا الله من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ؟!
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : " دعا الله إلى مغفرته من زعم أن عزيزا ابن الله ومن زعم أن الله فقير ومن زعم أن يد الله مغلولة ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة يقول لهؤلاء جميعا : {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة:74] ".
ألا فإن التوبه للمرء كالماء للسمك، فما ظنكم بالسمك إذا فارق الماء ؟! جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله إني قد زنيت فطهرني فردها النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان الغد قالت: يارسول الله لم تردني؟ فلعلك أن تردني كما رددت ماعزا فو الله إني لحبلى قال : «أما لا فاذهبي حتى تلدي»، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت : هذا قد ولدته قال : «اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه» فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز حرصا منها على التوبة وإقامة الحد فقالت : هذا يارسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضح على وجه خالد فسبها، فسمع النبي الله سبه إياها فقال : «مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده! لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له» وصاحب المكس هو الذي يأخذ الضريبة من الناس وفي رواية : «لقد تابت توبة لوقسمت بين سبعين من أهل الندينة وسعتهم، وهل وجدت شيئا أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل ؟!» . إن صاحب الذنب مهما غفل عن التوبة أو تناءى عنه الوصول إليها، فسيظل أسير النفس، قلقا لا قرار له، متلفتا لا يصل إلى مبتغاه مالم يفتح له باب التوبة ليطهر نفسه من كلكلها، ويخفف من أحمالها
إخواني المسلمين : في يوم من الأيام صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم درجات المنبر فلما رقي عتبة قال : «آمين» ثم رقي عتبة أخرى فقال : «آمين» ثم رقى عتبة ثالثة فقال : «آمين»ثم قال : «أتاني جبريل فقال : يا محمد من أدركه رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قلت : آمين».
صدق رسول الله صلى لله عليه وسلم بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، لقد خسر وفرط ورغم أنفه من ضيع فرصة رمضان ونكص على عقبيه، ألا أين أنتم أيها التائبون ؟؟ عقلكم يحثكم على التوبة وهواكم يمنعكم !!! والحرب بينهما سجال فلو جهزتم جيش عزم لفر العدو منكم، تنوون قيام الليل فتتكاسلون، وتسمعون القرآن فلا تبكون، بل أنتم سامدون ثم تقولون: ما السبب؟!: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165].
ألا فاتقوا الله يامعاشر المسلمين وتوبوا إلى ربكم توبة نصوحا، توبوا إلى الله فرادى وجماعات فما توبة الأمة بأدنى شأنا من توبة الأفراد إذ يقول الله تعالى : {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].
ألا ترون يا رعاكم الله ما قاله الباري جل شأنه في كتابه : {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:98].
فيا أيها المسلمون ماهي إلّا توبة والاستغفار، وإلّا فالمصير هو النار والخسار، ومالهذا الجلد الرقيق صبر عليها، فارحموا أنفسكم، فقد جربتموها في مصائب الدنيا، أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه والرمضان تحرقه ؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيع حجر وقرين شيطان في نار يحطم بعضها بعضا، لا تسمع فيها إلّا تغيظا وزفيرا، كلما نضجت الجلود بدلها الله جلودا غيرها ليذوقوا العذاب،{كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)} [المعارج:15-18].
يقول الرسول فيما يرويه عن ربه عز وجل: «يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبُك عنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة».
{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55) وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ(56)} [الأعراف:55-56].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الحمدالله والصلاة والسلام على امام المرسلين وقائد الغر المحجلين رسولنا محمد بن عبداالله وعلى اله وصحبه اجمعين والتابعين وتابع التابعين ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين وبعد
سوف يطل شهر كريم وضيف عزيز على النفس المسلمة ينبغى فيه الاكثار من الطاعات والحسنات
فإن شهر رمضان كغيره من الشهور يبدو قمره ثم سرعان ما يختفي مثل طرفة عين، أو كلمح بصر، أو هو أقرب وهو عند ذوي العقول كفئ الظل، بينما تراه سابغا حتى قلص، وزائدا حتى نقص ولا جرم فإن الشيء يترقب زواله : {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39].
وإنّ شهر رمضان هو المضمار وغدا السباق، والسبقة الجنة، والغاية رؤية الله سبحانه، أفلا نائب من خطيئته قبل ختام شهره ؟! ألا إنّكم في أيام أمل من ورائه، أجل فيا ويح طالب الجنة إذا نام ! ويا بؤس الهارب من النار إذا غفا، ثم هو لا يتخوف قارعة حتى تحل به ! ومن هذه حاله فليس هو من عمار الشهر في مراح ولا مغذى.
أصناف الناس في رمضان
إخواني المسلمين : إنّ في هذا الشهر أناسا أشغلوا أنفسهم عن ذكر الله وطاعته حتى قصروا غاية برهم به في جعله موسما حوليا للموائد الزاخرة، وفرصة سانحة للهو والسمر الممتدين إلى بزوغ النهار، فصبحهم مثل ليلهم وأجواؤهم سود، وأجفانهم جمر يومض. جعلوا من هذا الشهر محلا للألغاز الرتيبة، والدعايات المضللة أو المواعيد المضروبة لارتقاب ما يستجد من أفلام هابطة وروائيات مشبوهة ترمى بشرر كالقصر لإحراق ما بقى من أصل حشمة وعفاف أو تدين يستحق التشجيع والإذكاء.
وبذلك تخسر الأمة في كل لحظة مواطنا صالحا يضل ضلالة يغش بها ويخدع، ويسرق ويحتال تمتعا بهذا المرئى والداء المستشرى ولسان حال هؤلاء يقول: صفدت شياطين رمضان إلّا شياطينهم، حتى صاروا بذلك يطلبون ولا يعطون، ويشتهون ولا يصبرون، ويحسنون الجمع، في حين أنهم لا يعرفون القسمة إلى أن تحطمت فيهم روح المغالبة والمقاومة، فلا عجب حينئذ إذا لم يجد هؤلاء بهذا الشهر المبارك ما يجده المؤمنون الصادقون.
وفي المقابل، فإن لهذا الشهر أناسا غض أبصارهم ذكر المرجع وأرق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد هارب من الكسل والخذلان وخائف مقهور وداع مخلص وتكلان موجع.
البدار البدار قبل الفوات
ألا فاتقوا الله أيّها الصائمون القائمون وتنفسوا قبل ضيق الخناق، وانقادوا قبل عنف السياق فـ {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]، وإلّا فما يصنع بالدنيا من خلق للآخره؟! وما يصنع بالمال من عما قليل سيسلبه وتبقى عليه تبعاته وحسناته ؟! فالله الله وأنتم سالمون في الصحة قبل السقم وفي الفسحة قبل الضيق، ويا لفوز من سعوا في فكاك رقابهم من قبل أن تغلق عليهم رهائنهم، ألا إنّ لله عتقاء من النار في هذا الشهر المبارك.
وأمّا هذه الدنيا : فهي غزارة ضرارة حائلة زائلة، لا تعدو أن تكون بزخرفها كما قال الله تعالى : {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف:45].
إنه ما بين أحدنا وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به، وإن غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة مهما طالت، وإن غائبا يحدوه الجديدان الليل والنهار لحري بسرعة الأوبة، فرحم الله امرأ قدم توبته وغالب شهوته فإن أجله مستور عنه وأمله خادع له، والشيطان موكل به يزين له المعصية والتفريط ليركبهما ويمنيه التوبة ليسوفها {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا} [النساء:120]. فالبدار البدار قبل مفاجأة الأجل، فلو أن أحدا يجد إلى البقاء نفقا في الأرض أو سلما في السماء دون أن يقضى عليه بالموت، لكان ذلك لسليمان بن داود عليه السلام الذي سخر الله له ملك و {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ(36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ(37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38)} [ص:36-38]، هذا مع نبوته وعظيم زلفته غير أنّه لما استوفى طعمته واستكمل مدته رماه قوس الفناء بنبال الموت وأصبحت الديار منه خالية وورثها قوم آخرون.
وإنّ لكم في القرون السالفة لعبرة وإلّا فأين العمالقة؟! وأين الفراعنة وأبناء العراعنة ؟! أين أصحاب مدان الرس؟! وأين عاد وثمود وإرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد؟!
لا للتسويف
فيا مؤخرا توبته بمطل التسويف لأي يوم أجلت توبتك وأخرت أوبتك ؟! لقد كنت تقول : إذا صمت تبت، وإذا دخل رمضان أنبت، فهذه أيام رمضان عناقد تناقضت لقد كنت في كل يوم تضع قاعدة الإنابة لنفسك ولكن على شفا جرف هار.
ويحك أيها المقصر، فلا تقنع في توبتك إلّا بمكابدة حزن يعقوب عن البين، أو بعبرة داود ومناداة أيوب لربه في ظلمات ثلاث: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87].
أو بصبر يوسف عن الهوى، فإن لم تطق ذلك فبذل إخوته يوم أن قالوا : {إِنَّا كُنَّا خَاطِئِين} [يوسف:97]. نعم أيها المذنب المقصر لا تخجل من التوبة ولا تستح من الإنابة، فلقد فعلها قبلك آدم وحواء حين قالا : {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]، وفعلها قبلك إبراهيم حين قال : {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82]، وفعلها موسى حين قال : {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص:16].
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن أيوب نبي الله لبث في بلائه ثماني عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوته كانا أخص إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان فقال أحدهما لصاحبه: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين قال له صاحبه : وماذاك ؟ قال: منذ ثماني عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف مابه فلما راح إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له فقال أيوب: لا أدري ماتقول غير أن الله يعلم أني كنت أمر الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في الحق. قال : وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضى حاجته أمسكت امرأته بيده فلما كان ذات يوم أبطأ عليها فأوحى الله إلى أيوب في مكانه : {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:42]، فاستبطأته فبلغته فأقبل عليها قد أذهب الله مابه من البلاء فهو أحسن ما كان فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى والله على ذلك رأيت أحدا كان أشبه به منك إذ كان صحيحا قال: فإني أنا هو وكان له أندران: أندر القمح وأندر الشعير فبعث الله سحابتين فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت في الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض»
فلا إله إلا الله ! من يمنع المذنب من اتوبة ؟! ولا إله ألا الله من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ؟!
يقول ابن عباس رضي الله عنهما : " دعا الله إلى مغفرته من زعم أن عزيزا ابن الله ومن زعم أن الله فقير ومن زعم أن يد الله مغلولة ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة يقول لهؤلاء جميعا : {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة:74] ".
ألا فإن التوبه للمرء كالماء للسمك، فما ظنكم بالسمك إذا فارق الماء ؟! جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله إني قد زنيت فطهرني فردها النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان الغد قالت: يارسول الله لم تردني؟ فلعلك أن تردني كما رددت ماعزا فو الله إني لحبلى قال : «أما لا فاذهبي حتى تلدي»، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت : هذا قد ولدته قال : «اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه» فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز حرصا منها على التوبة وإقامة الحد فقالت : هذا يارسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها، فتنضح على وجه خالد فسبها، فسمع النبي الله سبه إياها فقال : «مهلا يا خالد فوالذي نفسي بيده! لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له» وصاحب المكس هو الذي يأخذ الضريبة من الناس وفي رواية : «لقد تابت توبة لوقسمت بين سبعين من أهل الندينة وسعتهم، وهل وجدت شيئا أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل ؟!» . إن صاحب الذنب مهما غفل عن التوبة أو تناءى عنه الوصول إليها، فسيظل أسير النفس، قلقا لا قرار له، متلفتا لا يصل إلى مبتغاه مالم يفتح له باب التوبة ليطهر نفسه من كلكلها، ويخفف من أحمالها
إخواني المسلمين : في يوم من الأيام صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم درجات المنبر فلما رقي عتبة قال : «آمين» ثم رقي عتبة أخرى فقال : «آمين» ثم رقى عتبة ثالثة فقال : «آمين»ثم قال : «أتاني جبريل فقال : يا محمد من أدركه رمضان فلم يغفر له فأبعده الله قلت : آمين».
صدق رسول الله صلى لله عليه وسلم بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه، لقد خسر وفرط ورغم أنفه من ضيع فرصة رمضان ونكص على عقبيه، ألا أين أنتم أيها التائبون ؟؟ عقلكم يحثكم على التوبة وهواكم يمنعكم !!! والحرب بينهما سجال فلو جهزتم جيش عزم لفر العدو منكم، تنوون قيام الليل فتتكاسلون، وتسمعون القرآن فلا تبكون، بل أنتم سامدون ثم تقولون: ما السبب؟!: {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165].
ألا فاتقوا الله يامعاشر المسلمين وتوبوا إلى ربكم توبة نصوحا، توبوا إلى الله فرادى وجماعات فما توبة الأمة بأدنى شأنا من توبة الأفراد إذ يقول الله تعالى : {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].
ألا ترون يا رعاكم الله ما قاله الباري جل شأنه في كتابه : {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [يونس:98].
فيا أيها المسلمون ماهي إلّا توبة والاستغفار، وإلّا فالمصير هو النار والخسار، ومالهذا الجلد الرقيق صبر عليها، فارحموا أنفسكم، فقد جربتموها في مصائب الدنيا، أفرأيتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه والرمضان تحرقه ؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار، ضجيع حجر وقرين شيطان في نار يحطم بعضها بعضا، لا تسمع فيها إلّا تغيظا وزفيرا، كلما نضجت الجلود بدلها الله جلودا غيرها ليذوقوا العذاب،{كَلَّا إِنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى (16) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (17) وَجَمَعَ فَأَوْعَى (18)} [المعارج:15-18].
يقول الرسول فيما يرويه عن ربه عز وجل: «يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبُك عنان السماء ثم استغفرتني غفرتُ لك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة».
{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(55) وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ(56)} [الأعراف:55-56].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم