و كان يجول البلاد بحثًا عن شئ يأكله أو عمل يرتزق منه , وكان الرجل الفقير تقياً يخاف الله ويحافظ على صلاته .
وفي أحد الأيام سار الرجل إلى بلدة بعيدة لعله يجد حاجته فيها و كان يسير في البلدة يطلب عملاً تارة ويطلب قوتاً تارة أخرى , وكان وقت الصلاة فسار الرجل نحو المسجد للصلاة و لأنه وصل متأخرا كان الجميع قد غادر المسجد . و اتجه نحو الركن المخصص للوضوء ليتوضأ وبعد أن توضأ وأراد الذهاب للمصلى لمح حزامًا من الجلد معلق بمسمار على الحائط فاتجه نحوه وأمسكه بين يديه و أخذ يقلبه و فتح الجيوب التي فيه فوجد في
احدها ذهب و في الاخرى مال كثير ففرح الرجل كثيرا وقال الحمد لله اخيرا ساودع الفقر واخذ الحزام و هم بالخروج ولكنه توقف لحظة و اخذ يحدث نفسه : ولكن لهذا الحزام صاحب , ولربما يبحث عنه الان , وان سكت عنه فلربما جن الرجل او مات حزنا على هذا المال الكثير , كما انه ليس لي الحق في اخذ مال ليس ملك لي , استعاذ الرجل من الشيطان وقال و الله لا اعيش بمال حرام ابدا و صلى صلاته ثم جلس في ركن الوضوء ومعه الحزام وبقي ينتظر و لم يمر وقت طويل حتى جاء رجل كان متوترا ويرتجف و يبحث عن شئ ما ثم طرح سؤاله على الرجل الفقير: هل انت هنا منذ وقت طويل .قال نعم . قال هل رأيت حزاما من الجلد كان معلقا على ذاك الحائط , قال : نعم , واين هو الان , قال الرجل الفقير هو معي , فقال الرجل :اعطنيه انه حزامي , فقال الرجل الفقير :اعطيك اياه اذا اعطيتني اوصافه لأتاكد انك صاحبه , فوصف الرجل الحزام وصفا دقيقا حتى تاكد الرجل الفقير انه صاحبه فاعاده اليه , وتفحص الرجل الحزام فوجده كما تركه ثم مد يده الى جيب الحزام واخرج بعض المال وطلب من الرجل الفقير ان ياخذه , ولكن الرجل الفقير رفض مع إلحاح الرجل الغني . وخرج الرجل الفقير واكمل جولانه في شوارع البلدة .
وبقي الرجل الفقير في البلدة لمدة خمسة اشهر وهو على حاله تلك وكان من اهل البلدة من يطعمه ومنهم من يصد عنه , وفي احد الليالي وبينما كان الرجل يسير في احد احياء البلدة اشتم رائحة طعام كانت تأتي من احد البيوت الذي كان بابه مفتوحا مما شجع الرجل الفقير على الدخول فدخل , لم يجد احدا في البيت , ولكنه وجد الطعام فجلس و رفع لقمة من ذلك الطعام وقبل ان تصل الى فمه توقف , وتعوذ من الشيطان وقال لايحق لي ان اكل من طعام لم ادعى اليه وادخل بيت لم يؤذن لي بدخوله , فاستغفر الله وغادر البيت مسرعا . وبينما هو في الطريق اذا رجل يركب حمارا يستوقفه ويساله من انت ايها الرجل , فقال فقير يطلب طعام , فنزل الرجل عن حماره و صار يتحدث الى الفقير فاعجبه ماسمع منه واعجبه تقوته وخاصة انه كان يراه في المسجد يصلي مع المصلين , واخبره انه قاضي هذه البلدة , ثم ساله : الك زوجة و اولاد؟ قال الفقير: لا ؟ , فقال القاضي :فما رأيك ان ازوجك ؟ فضحك الفقير وقال: انا لا أجد قوتي وانا وحيد فكيف ومعي زوجة , ثم انه ليس لي بيت , ومن المراة التي توافق على الزواج من رجل فقير مثلي , فقال القاضي : يوجد في هذه البلدة امرأة أرملة تعيش وحيدة في بيت تملكه و هي تملك قوت يومها ولقد كثر كلام الناس عليها فلجأت إلي لأبحث لها عن رجل تقي حسن الخلق يكف اذى الناس وكلامهم عنها واني لأراك أنت هذا الرجل , فال الفقير: أتراها توافق علي؟ قال القاضي فلنجرب , واني لسائر اليها الان فإن شئت اتيت معي فخطبتها لك , فكر الرجل قليلا ثم قال :سآتي معك فان رفضت فلن يتغير من امري شيئا.
وذهب الرجلان إلى بيت المراة وطرقا الباب فاجابت وعندما عرفت بانه القاضي فتحت الباب وسمحت للقاضي وضيفه بالدخول . لقد تعجب الرجل الفقير لانه نفس البيت الذي حدثت فيه قصة الطعام ,واخبر القاضي المرأة ان الرجل الذي معه جاء خاطبا لها , فنظرت اليه وهي تتامل ثيابه الرثة الممزقة ثم طلبت القاضي في حديث منفرد وسالته : أأنت من اخترت الرجل ؟قال: القاضي نعم وانه لا يعرفك حتى اخبرته عنك وهو ليس من هذه البلدة , وهو فقير لايملك بيت ولا مال ويجول البلاد يطلب الطعام , وسألته مرة اخرى :فماذا رأيت منه ؟
قال القاضي : تقواه و صلاته وحسن حديثه , فقالت المراة : اوافق على الزواج بهذا الرجل ورجع القاضي الى الرجل واخبره بموافقة المرأة . لم يصدق الرجل ما سمع وكان سعيدا جدا حتى انه قال : اذا نتزوج الليلة .قال : القاضي بهذه السرعة , قال الرجل : لما لا ان وافقت المرأة , ووافقت المرأة , فطلب القاضي الى المرأة ان تحضر رجلين من جيرانها كشهود على الزواج فذهبت المرأة واتت بالرجلين وتم الزواج .
غادر القاضي و الرجلين البيت وبقي الزوجان معا فسألت الزوجة :هل تناولت عشاءك ؟ قال الزوج : انا لم اتذوق الطعام منذ يومين , فاتته بالطعام فاذا به نفس الطعام الذي تراجع عن اكله قبل ان يلقى القاضي , فبكى الرجل فقالت: الزوجة ما بك؟ فاخبرها بما حدث, فقالت: لاباس عليك ان الله اراد ان يكافيك بالحلال عن الحرام , فسألها : ولكن لم يكن احد بالبيت عندما دخلته؟ قالت : انها كانت تحمل بعض الطعام الى احد الجيران .
وعندما كان الصباح سألت الزوجة زوجها ؟ اتحب ان تعمل لتكسب قوتنا؟ قال : نعم , قالت : وماذا تحب ان تعمل؟ اي عمل احصل منه على المال الحلال , قالت:فما رأيك بالتجارة وتصبح تاجرا كزوجي السابق؟ قال : واين لي بالمال لأتاجر به؟ قالت : انا لدي المال و سآتيك به . وذهبت الزوجة و أتت بحزام من الجلد ؟ وسألها الزوج : ما هذا؟, قالت هو حزام تركه لي زوجي وفيه مال كثير و بعض الذهب الذي ساعطيك اياه لتتاجر به . و اخذه الرجل و بينما هو يتفحصه اذا به هو نفس الحزام الذي وجده في المسجد , وبكى مرة اخرى , وسألته الزوجة عن سبب بكائه؟ فاخبرها بقصة الحزام الذي صار سببا في غناه.
نستفيد من هذه القصة انه من يتقي الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب , واني لانصح نفسي و اياكم بتقوى الله كي نعيش سعداء في حياتنا ونسعد من حولنا...
القصة منقولة