اجرى الحوار: د.أحمد غانم - المسالة أعمق بكثير من مجرد حظر بناء مآذن فى بلد لا يتعدى عدد المآذن فيه 4 مآذن قصيرة.
لا يمكن انكار أن هناك مد يميني فى أوروبا يبني مجده السياسي ويزيد من أعداد أتباعه عن طريق مهاجمة كل ما هو إسلامي. والمآذن لن تكون آخر ما سوف يهاجم ويحجم.
المآذن بالنسبة لهم رمز كما أن الحجاب رمز يتم محاربته فى فرنسا.
والخاسر الحقيقي من كل حمى كراهية الإسلام فى أوروبا هي أوروبا نفسها التي تفقد كل يوم ميراثا حضاريا نجح يوما من الأيام أن يثبت أن الديمقراطية وحقوق الإنسان هى الحل.
تحاورنا مع السيد ايرس سيزويلر سفير سويسر فى أمريكا لنتفهم وجة نظر الحكومة السويسرية فى هذا الموضوع وقد تم نشر الجزء الأول وهنا نكمل الجزء الثاني من الحوار.
مصراوي: كيف يمكن تفسير هذه المشاعر القوية ضد المسلمين فى سويسرا للفرد المسلم العادي؟
السفير: أولا أنا لا نوافق على أن هناك مشاعر قوية ضد المسلمين، ما يقرب من 400000 من المسلمين في سويسرا سوف يستمرون فى ممارسة معتقداتهم بحرية في أكثر من 200 من المساجد وقاعات الصلاة في جميع أنحاء البلاد.
المسلمين في سويسرا سوف يستمرون في بناء المساجد الجديدة بحرية اذا ما أرادوا، لا يزال المجتمع مفتوحا.
الحكومة السويسرية لن تسمح للمجتمع المسلم أن يكون معزولا في سويسرا، والقرار الذي اتخذه الناخبون السويسريون لن يؤثر على حرية الدين، الغالبية الكبيرة من المسلمين الذين هاجروا إلى سويسرا يتمتعون بنوعية حياة جيدة ومستقرة، و يشعرون بأنهم مهددون بأي شكل من الاشكال، لقد تمكن أطفالهم من الاندماج بشكل جيد فى المجتمع، وقادرون على الذهاب إلى المدارس العامة المتميزة.
إذا اردنا أن نتفهم ما أطلق عليه "الحذر" الذي أظهرته نتائج الإستفتاء يمكننا قراءة ما كتبته الكاتبة (آن ابلبوم) فى جريدة الواشنطن بوست الأمريكية فى عدد 8 ديسمبر والتي شرحت فيه أنه على الرغم من أن سويسرا لا تواجه مشكلة الإسلام الأصولي إلا أن الأخبار التي تأتيهم من دول اوروبية أخرى مثل بريطانيا وألمانيا وهولندا عن الزواج القهري للفتيات المسلمات وجرائم الشرف التي يرتكبها المهاجرون بحق بناتهن وجرائم اخرى لا تتفق مع الميراث الثقافي لأوروبا مثل ختان البنات دفعت الناخب السويسري لأن يصوت لصالح حظر الماذن خوفا من انتقال هذه الممارسات إلى سويسرا.
مصراوي: وما هو تأثير ذلك "الحذر" على مستقبل المساجد فى سويسرا؟
السفير: دعنى أؤكد مرة اخرى ان الحظر يشمل بناء المنارات فقط ولا يتعداه بينما حرية بناء المساجد مازالت مكفولة. أعتقد أن معظم مسلمي سويسرا يشاركون الكاتب المصري علاء الأسواني رأيه الذي أعلنه فى مقابلة مع التليفزيون السويسري والذي قال فيه: "يجب على المسلمين أن لا يشتكوا من الحظر ولكن يجب أن يسعوا لإظهار الصورة الإيجابية للإسلام حيث أن أخبار العمليات الإرهابية هي ما يعطي صورة سيئة للإسلام"
واضاف الكاتب علاء الأسواني قائلا: "أن المسلمين يجب حتي أن لا يعلقوا على قرار حظر المآذن لأن الحكومات العربية والمسلمة لا تعرف كلمة "التعايش مع الديانات والآراء المخالفة" وقد أشار الكاتب علاء الأسواني أيضا إلى قرار المحكمة المصرية التي حكمت أن بناء الكنائس الجديدة يعتبر خطيئة.
مصراوي: الذي اعرفه يا سيادة السفير أن المحاكم المصرية هي محاكم مدنية وليست دينية ولا أعتقد أن محكمة مصرية مدنية يمكن أن تصدر حكما دينيا بأن بناء الكنائس خطيئة..وحتي لو أفترضنا جدلاً أن هذا حدث فهل يعني ذلك أن هذا الحظر هو نهاية لحقبة كانت سويسرا معروفة فيه بأنها بلد محايد لا يتدخل فى النزاعات أو سياسات الدول؟ و هل الشعب السويسري ، الذي كان "محايدا "حتى نحو أكثر النظم شراً "هتلر "، على استعداد لإنهاء الحياد تجاه أبناءه المسلمين؟
السفير:الحياد هو مفهوم ينطبق على السياسة الخارجية. وعادة ما تستخدم من قبل البلدان الصغيرة لتنظيم العلاقات مع الجيران الاقوياء. وأنا أرى وجود صلة مع القرار الاخير الذي اتخذته غالبية من الناخبين السويسريين. أنا لا أرى علاقة بين الحياد وبين استفتاء شعبي لحظر المآذن.
وكما تعلم من تاريخ الحرب العالمية الثانية تعلم أن سويسرا (البلد المحاصر جغرافيا بلا سواحل) ليس له موارد طبيعية كافية ويعتمد على الإستيراد ونتيجة لإحاطة النظام النازي لحدودنا كان الحياد وسيلة سياسية للدفاع عن سلامة وسيادة أراضينا في وقت عصيب ، وهذا لا يعني أننا لم نكن ضد هتلر . الجنود السويسريون دافعوا عن سويسرا ضد النظام النازي الألماني وكذلك فإن الكثيرون اتخذوا من سويسرا ملجأ آمن اثناء الحرب العالمية الثانية سواء كانوا جنودا مصابين من الحلفاء أو أطفالا جوعى يتمتهم الحروب.
مصراوي : ذكرت يا سيادة السفير أن الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية كانوا جميعا ضد حظر المآذن. وسؤالي الآن هل ستقوم الحكومة بالتصديق على نتائج الإستفتاء؟
السفير:إن نظام الديمقراطية المباشرة المعمول به فى سويسرا يجعل صلاحيات التشريع والتعديلات الدستورية فى يد المواطن العادي والحكومة ما هي إلا خادم للشعب مجبر على تنفيذ الإرادة الشعبية المتمثلة فى نتائج الإستفتاء.
مصراوي: حيث أن عقد حماية الحريات فى الدستور السويسري (قبل التعديل) يحمي الحقوق الدينية لأي أقلية ، ألا يمكن اعتبار أن طرح هذا التعديل هو انقلاب على روح الدستور؟
السفير: الضمانات الاساسية لحرية العقيدة وممارسة الدين محفوظة لكل الأديان. الحظر سيكون على بناء المآذن وليس على حرية اعتقاد أو ممارسة الإسلام فى سويسرا.
مصراوي: الملايين من مسلمي أوروبا يمثلون اقلية دينية تواجه خوفا مبررا من انتقاص حقوقها يوم بعد يوم بطريقة منهجية، أوروبا تتشدق باحترام حرية الانسان وما تراه أعيننا يناقض ما تسمعه آذاننا. ففرنسا بلد الحرية والأخوة والمساواة تمنع المرأة المسلمة من حق حرية إختيار ملابسها.
واليوم سويسرا بلد الحياد والتعايش تحظر المآذن وكأن المآذن مفاعلات نووية يتم تغيير الدستور من أجل حظرها! فماذا فعلت الحكومة السويسرية لطمأنة خوف مواطنيها المسلمين؟
السفير:يجب تكثيف الحوار مع المجتمع السويسري المسلم. هناك حوار هام ينبغي القيام به لتحسين التفاهم المتبادل، الحكومة السويسرية مستعدة للمشاركة في هذا الحوار، وكرد فعل على الاستفتاء اعلن وزير العدل بوضوح على أن الغالبية الساحقة من المسلمين في سويسرا تتقبل تماما نظامنا القانوني قائلا "إن إقرار حظر بناء المآذن يجب ألايؤدي إلى انعدام الثقة المتبادل.
ان التهميش والاستبعاد على أساس الاختلافات الدينية والثقافية من شأنه أن يكون مدمرا لبلد مفتوح مثل سويسرا ، التي تعتمد على العلاقات الخارجية الفعالة ، والتي هي أيضا موطن لمجموعة متنوعة من الأقليات الصغيرة داخل أراضيها. حرية الدين كانت ولا تزال عنصرا رئيسيا في نجاح سويسرا . و ضمان هذه الحرية هو عملية مستمرة و تتطلب بذل جهود جديدة من جانب الدولة ، وكذلك من جانب مختلف الطوائف الدينية والمواطنين الأفراد".
مصراوي: بعد احداث سبتمبر الشهيرة طالبت حكومة أمريكا وبعض الحكومات الغربية بإحداث تغييرات فورية فى المناهج الدراسية لطلاب المدارس فى بلادنا الإسلامية لتغيير حالة العداء للغرب على حد قول الذين طالبوا بذلك. أعتقد أنه من حقي كمسلم أن أطالب دولتكم بتغيير المناهج وإدخال مادة تعريفية بالإسلام لطلاب المدارس السويسرية لتغيير حالة "الحذر" -كما تسميها سيادتكم- من رموز الإسلام كما ظهر من نتيجة الإستفتاء.ما هو رأيك؟
السفير: المناهج المدرسية في سويسرا ليست محددة من قبل الحكومة المركزية ولكن من قبل كل كانتون (دولة فيدرالية). كثير من الكانتونات لديهم بالفعل برامج متكاملة عن التسامح بين الثقافات والمشاريع المناهضة للعنصرية. سويسرا كانت دائما بلد متعدد الثقافات وثبت على مر السنين أن التعايش السلمي بين مختلف المجموعات هو أمر ممكن!لقد نجحت سياسة الاندماج للمهاجرين الذي تم وضعها وتنفيذها من قبل السلطات الفيدرالية والكانتونات والبلديات و على عكس البلدان الغربية الأخرى فقد تم تجنب اعمال العنف واسعة النطاق أوظهور جيتوهات عرقية منعزلة في مدننا.
مصراوي: كبرى منظمات حقوق الإنسان فى العالم وصفت الإستفتاء بأنه "عنصري" . فما هي التدابير التي يمكن أن تتخذها الحكومة السويسرية لضمان أن أي استفتاءات مشابهة في المستقبل لن تكون مغلفة بسكر الديمقراطية مرة أخرى؟
السفير:دستورنا يعطي الناس الحق في اقتراح إجراء تعديل على الدستور من خلال مبادرة شعبية عامة. هذا الصك يضمن المشاركة النشطة من جانب الناخبين السويسريين في الحياة السياسية في بلادنا.
نحن لا نعتبر هذا القرار الذي اتخذه الشعب السويسري عملا من أعمال الكراهية ولكنه قرار سياسي متعلق بالتشريعات. ولا يسعني إلا أن أكرر: أن المسلمين أحرار في الذهاب الى المساجد والعبادة.
مصراوي: بعض المسلمين يشعرون بالقلق من ان ازدياد قوة ونشاط اليمين المتطرف الذي يريد الوصول للسلطة ببناء قاعدة شعبية من خلال تكتيكات الكراهية والخوف من المسلمين والمهاجرين فى أوروبا والتي ستؤدي إلى تعميق التهميش والعزلة المفروضة على المجتمعات المسلمة فى أوروبا التي تعاني من مشكلة الإنعزال من الأساس.ما رأيك؟
السفير: كما قلت من قبل : السويسريون لا يكرهون المسلمين
نتائج هذا التصويت تعكس القلق بين السكان ان أنظمتنا الوطنية و الاجتماعية يمكن أن تتآكل بفعل الرضوخ لتوجهات اسلامية اصولية. وعلى العكس فهناك بعض المخاوف بين المسلمين المندمجين في بلادنا أن انتشار الأصولية يمكن أن يزيد عزلتهم عن المجتمع السويسري.
لقد ظلت سويسرا ناجحة في نزع فتيل التوترات ذات الدوافع الدينية و في إيجاد حلول عملية للمشاكل . وإذا استطعنا أن نواصل القيام بذلك بشعور من التوازن والتبصر، وعدم تهميش الناس من ذوي الخلفيات الدينية أو الايديولوجية المختلفة ،الحكومة السويسرية سوف تبذل كل جهد للحفاظ على السلام الديني في المستقبل.
مصراوي: ولكن يا سيادة السفير كل هذا كلام دبلوماسي جميل والذي نلمسه على أرض الواقع يخالف كل هذا الكلام. ونتائج الإستفتاء خير دليل، فما هي البرامج "الحقيقية" التي تنفذ على أرض الواقع لنزع فتيل تصاعد المشاعر العدائية لكل ما هو إسلامي فى بلد يتنفس اقتصاده من مليارات البترول الإسلامية المودعه فى بنوك سويسرا؟
السفير: من يعيش في سويسرا يعلم أن سويسرا بلد متسامح كثير من الثقافات والدينية والجماعات العرقية استطاعت العيش معا بسلام. ولا تنسى: لدينا واحدة من أعلى معدلات الإقامة للمواطنين الأجانب في العالم. أكثر من 20% من المقيمين في سويسرا هم من الأجانب. انهم يشعرون بالراحة في سويسرا ، ويتمتعون بنوعية حياة جيدة، وكثيرا من هؤلاء الاجانب مسلمون من دول اسلامية مثل تركيا والبوسنة وكوسوفو ويندمجون بشكل جيد للغاية جاهدين ليصبحوا مواطنين السويسريين.
مصراوي: العديد من الجماعات في الولايات المتحدة ، بما في ذلك الجماعات اليهودية وغيرها من الجماعات الدينية ، قد أدانوا علنا هذه الانتخابات ونتائجها. هل تعتقد أن هناك تباين كبير بين معاملة الأقليات الدينية في أوروبا على عكس امريكا؟
أولا ، أود أن تتذكر أن مجموعات دينية هامة في سويسرا ، ومن بينها الجالية اليهودية ، والكنيسة البروتستانتية والكنيسة الكاثوليكية - وكلها ممثلة في المجلس السويسري للأديان - رفضت المبادرة الشعبية ، وأوصت بالتصويت بـ "لا".
النقطة الثانية: كانت الولايات المتحدة بوتقة تنصهر فيها جميع الخلفيات الدينية والثقافية التي هاجرت لها من البداية. هذا مختلف جدا في أوروبا ، حيث الشعوب والثقافات لها جذور عميقة وتاريخ طويل قبل موجات الهجرة.
لقد تعرضت العديد من الثقافات الأوروبية في الماضي للتهديد من جراء الحروب والاعتداءات. هذا قد يفسر الموقف الدفاعي الثقافي من العديد من البلدان الأوروبية الذين يحاولون الدفاع عن قيم أوروبية خاصة بهم عن طريق حث المهاجرين على الاندماج في مجتمعاتهم.
مصراوي: يقوم الإقتصاد السويسري على نظام بنكي يقوم على جلب أموال أثرياء العالم ومنها قسم كبير من أموال أثرياء العرب والمسلمين وهناك مليارات تم تهريبها من أموال شعوب مسلمة لتستقر فى بنوك سويسرا لتساهم فى بناء الرفاهية للشعب السويسري الذي تتأذى عيونه من رؤية المآذن. شركة نستلة تبيع بمليارات الدولارات منتجات ألبان وشيكولاتات للعالم الإسلامي يمكن بسهوله استبدالها بمنتجات دول لا تتأذى شعوبها من رؤية الرموز الإسلامية . ماذا سيكون رد فعل الحكومة السويسرية إذا توحد 1 مليار مسلم (1 / 4 من سكان الأرض) على مقاطعة المنتجات السويسرية؟
السفير: هذا سيكون أمرا مؤسفا، وسوف يشير إلى ان هناك سوء فهم حقيقي. الحكومة السويسرية مقتنعة بأن القرار الذي اتخذه الناخبون السويسريون لا ينتهك الحرية الدينية. المسلمون الذين يعيشون في سويسرا أحرار في بناء المساجد والعبادة. هناك العديد من البلدان الأخرى في العالم لا تضمن هذا الحق الأساسي للأقليات الدينية ولكن هذا الحق ما يزال مضمونا في سويسرا.
مصراوي: شكرا سيادة السفير
* أجرى الحوار في واشنطن د.أحمد غانم - مدير المعهد الأمريكي لأمراض النوم بولاية ميتشجان.
لا يمكن انكار أن هناك مد يميني فى أوروبا يبني مجده السياسي ويزيد من أعداد أتباعه عن طريق مهاجمة كل ما هو إسلامي. والمآذن لن تكون آخر ما سوف يهاجم ويحجم.
المآذن بالنسبة لهم رمز كما أن الحجاب رمز يتم محاربته فى فرنسا.
والخاسر الحقيقي من كل حمى كراهية الإسلام فى أوروبا هي أوروبا نفسها التي تفقد كل يوم ميراثا حضاريا نجح يوما من الأيام أن يثبت أن الديمقراطية وحقوق الإنسان هى الحل.
تحاورنا مع السيد ايرس سيزويلر سفير سويسر فى أمريكا لنتفهم وجة نظر الحكومة السويسرية فى هذا الموضوع وقد تم نشر الجزء الأول وهنا نكمل الجزء الثاني من الحوار.
مصراوي: كيف يمكن تفسير هذه المشاعر القوية ضد المسلمين فى سويسرا للفرد المسلم العادي؟
السفير: أولا أنا لا نوافق على أن هناك مشاعر قوية ضد المسلمين، ما يقرب من 400000 من المسلمين في سويسرا سوف يستمرون فى ممارسة معتقداتهم بحرية في أكثر من 200 من المساجد وقاعات الصلاة في جميع أنحاء البلاد.
المسلمين في سويسرا سوف يستمرون في بناء المساجد الجديدة بحرية اذا ما أرادوا، لا يزال المجتمع مفتوحا.
الحكومة السويسرية لن تسمح للمجتمع المسلم أن يكون معزولا في سويسرا، والقرار الذي اتخذه الناخبون السويسريون لن يؤثر على حرية الدين، الغالبية الكبيرة من المسلمين الذين هاجروا إلى سويسرا يتمتعون بنوعية حياة جيدة ومستقرة، و يشعرون بأنهم مهددون بأي شكل من الاشكال، لقد تمكن أطفالهم من الاندماج بشكل جيد فى المجتمع، وقادرون على الذهاب إلى المدارس العامة المتميزة.
إذا اردنا أن نتفهم ما أطلق عليه "الحذر" الذي أظهرته نتائج الإستفتاء يمكننا قراءة ما كتبته الكاتبة (آن ابلبوم) فى جريدة الواشنطن بوست الأمريكية فى عدد 8 ديسمبر والتي شرحت فيه أنه على الرغم من أن سويسرا لا تواجه مشكلة الإسلام الأصولي إلا أن الأخبار التي تأتيهم من دول اوروبية أخرى مثل بريطانيا وألمانيا وهولندا عن الزواج القهري للفتيات المسلمات وجرائم الشرف التي يرتكبها المهاجرون بحق بناتهن وجرائم اخرى لا تتفق مع الميراث الثقافي لأوروبا مثل ختان البنات دفعت الناخب السويسري لأن يصوت لصالح حظر الماذن خوفا من انتقال هذه الممارسات إلى سويسرا.
مصراوي: وما هو تأثير ذلك "الحذر" على مستقبل المساجد فى سويسرا؟
السفير: دعنى أؤكد مرة اخرى ان الحظر يشمل بناء المنارات فقط ولا يتعداه بينما حرية بناء المساجد مازالت مكفولة. أعتقد أن معظم مسلمي سويسرا يشاركون الكاتب المصري علاء الأسواني رأيه الذي أعلنه فى مقابلة مع التليفزيون السويسري والذي قال فيه: "يجب على المسلمين أن لا يشتكوا من الحظر ولكن يجب أن يسعوا لإظهار الصورة الإيجابية للإسلام حيث أن أخبار العمليات الإرهابية هي ما يعطي صورة سيئة للإسلام"
واضاف الكاتب علاء الأسواني قائلا: "أن المسلمين يجب حتي أن لا يعلقوا على قرار حظر المآذن لأن الحكومات العربية والمسلمة لا تعرف كلمة "التعايش مع الديانات والآراء المخالفة" وقد أشار الكاتب علاء الأسواني أيضا إلى قرار المحكمة المصرية التي حكمت أن بناء الكنائس الجديدة يعتبر خطيئة.
مصراوي: الذي اعرفه يا سيادة السفير أن المحاكم المصرية هي محاكم مدنية وليست دينية ولا أعتقد أن محكمة مصرية مدنية يمكن أن تصدر حكما دينيا بأن بناء الكنائس خطيئة..وحتي لو أفترضنا جدلاً أن هذا حدث فهل يعني ذلك أن هذا الحظر هو نهاية لحقبة كانت سويسرا معروفة فيه بأنها بلد محايد لا يتدخل فى النزاعات أو سياسات الدول؟ و هل الشعب السويسري ، الذي كان "محايدا "حتى نحو أكثر النظم شراً "هتلر "، على استعداد لإنهاء الحياد تجاه أبناءه المسلمين؟
السفير:الحياد هو مفهوم ينطبق على السياسة الخارجية. وعادة ما تستخدم من قبل البلدان الصغيرة لتنظيم العلاقات مع الجيران الاقوياء. وأنا أرى وجود صلة مع القرار الاخير الذي اتخذته غالبية من الناخبين السويسريين. أنا لا أرى علاقة بين الحياد وبين استفتاء شعبي لحظر المآذن.
وكما تعلم من تاريخ الحرب العالمية الثانية تعلم أن سويسرا (البلد المحاصر جغرافيا بلا سواحل) ليس له موارد طبيعية كافية ويعتمد على الإستيراد ونتيجة لإحاطة النظام النازي لحدودنا كان الحياد وسيلة سياسية للدفاع عن سلامة وسيادة أراضينا في وقت عصيب ، وهذا لا يعني أننا لم نكن ضد هتلر . الجنود السويسريون دافعوا عن سويسرا ضد النظام النازي الألماني وكذلك فإن الكثيرون اتخذوا من سويسرا ملجأ آمن اثناء الحرب العالمية الثانية سواء كانوا جنودا مصابين من الحلفاء أو أطفالا جوعى يتمتهم الحروب.
مصراوي : ذكرت يا سيادة السفير أن الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية كانوا جميعا ضد حظر المآذن. وسؤالي الآن هل ستقوم الحكومة بالتصديق على نتائج الإستفتاء؟
السفير:إن نظام الديمقراطية المباشرة المعمول به فى سويسرا يجعل صلاحيات التشريع والتعديلات الدستورية فى يد المواطن العادي والحكومة ما هي إلا خادم للشعب مجبر على تنفيذ الإرادة الشعبية المتمثلة فى نتائج الإستفتاء.
مصراوي: حيث أن عقد حماية الحريات فى الدستور السويسري (قبل التعديل) يحمي الحقوق الدينية لأي أقلية ، ألا يمكن اعتبار أن طرح هذا التعديل هو انقلاب على روح الدستور؟
السفير: الضمانات الاساسية لحرية العقيدة وممارسة الدين محفوظة لكل الأديان. الحظر سيكون على بناء المآذن وليس على حرية اعتقاد أو ممارسة الإسلام فى سويسرا.
مصراوي: الملايين من مسلمي أوروبا يمثلون اقلية دينية تواجه خوفا مبررا من انتقاص حقوقها يوم بعد يوم بطريقة منهجية، أوروبا تتشدق باحترام حرية الانسان وما تراه أعيننا يناقض ما تسمعه آذاننا. ففرنسا بلد الحرية والأخوة والمساواة تمنع المرأة المسلمة من حق حرية إختيار ملابسها.
واليوم سويسرا بلد الحياد والتعايش تحظر المآذن وكأن المآذن مفاعلات نووية يتم تغيير الدستور من أجل حظرها! فماذا فعلت الحكومة السويسرية لطمأنة خوف مواطنيها المسلمين؟
السفير:يجب تكثيف الحوار مع المجتمع السويسري المسلم. هناك حوار هام ينبغي القيام به لتحسين التفاهم المتبادل، الحكومة السويسرية مستعدة للمشاركة في هذا الحوار، وكرد فعل على الاستفتاء اعلن وزير العدل بوضوح على أن الغالبية الساحقة من المسلمين في سويسرا تتقبل تماما نظامنا القانوني قائلا "إن إقرار حظر بناء المآذن يجب ألايؤدي إلى انعدام الثقة المتبادل.
ان التهميش والاستبعاد على أساس الاختلافات الدينية والثقافية من شأنه أن يكون مدمرا لبلد مفتوح مثل سويسرا ، التي تعتمد على العلاقات الخارجية الفعالة ، والتي هي أيضا موطن لمجموعة متنوعة من الأقليات الصغيرة داخل أراضيها. حرية الدين كانت ولا تزال عنصرا رئيسيا في نجاح سويسرا . و ضمان هذه الحرية هو عملية مستمرة و تتطلب بذل جهود جديدة من جانب الدولة ، وكذلك من جانب مختلف الطوائف الدينية والمواطنين الأفراد".
مصراوي: بعد احداث سبتمبر الشهيرة طالبت حكومة أمريكا وبعض الحكومات الغربية بإحداث تغييرات فورية فى المناهج الدراسية لطلاب المدارس فى بلادنا الإسلامية لتغيير حالة العداء للغرب على حد قول الذين طالبوا بذلك. أعتقد أنه من حقي كمسلم أن أطالب دولتكم بتغيير المناهج وإدخال مادة تعريفية بالإسلام لطلاب المدارس السويسرية لتغيير حالة "الحذر" -كما تسميها سيادتكم- من رموز الإسلام كما ظهر من نتيجة الإستفتاء.ما هو رأيك؟
السفير: المناهج المدرسية في سويسرا ليست محددة من قبل الحكومة المركزية ولكن من قبل كل كانتون (دولة فيدرالية). كثير من الكانتونات لديهم بالفعل برامج متكاملة عن التسامح بين الثقافات والمشاريع المناهضة للعنصرية. سويسرا كانت دائما بلد متعدد الثقافات وثبت على مر السنين أن التعايش السلمي بين مختلف المجموعات هو أمر ممكن!لقد نجحت سياسة الاندماج للمهاجرين الذي تم وضعها وتنفيذها من قبل السلطات الفيدرالية والكانتونات والبلديات و على عكس البلدان الغربية الأخرى فقد تم تجنب اعمال العنف واسعة النطاق أوظهور جيتوهات عرقية منعزلة في مدننا.
مصراوي: كبرى منظمات حقوق الإنسان فى العالم وصفت الإستفتاء بأنه "عنصري" . فما هي التدابير التي يمكن أن تتخذها الحكومة السويسرية لضمان أن أي استفتاءات مشابهة في المستقبل لن تكون مغلفة بسكر الديمقراطية مرة أخرى؟
السفير:دستورنا يعطي الناس الحق في اقتراح إجراء تعديل على الدستور من خلال مبادرة شعبية عامة. هذا الصك يضمن المشاركة النشطة من جانب الناخبين السويسريين في الحياة السياسية في بلادنا.
نحن لا نعتبر هذا القرار الذي اتخذه الشعب السويسري عملا من أعمال الكراهية ولكنه قرار سياسي متعلق بالتشريعات. ولا يسعني إلا أن أكرر: أن المسلمين أحرار في الذهاب الى المساجد والعبادة.
مصراوي: بعض المسلمين يشعرون بالقلق من ان ازدياد قوة ونشاط اليمين المتطرف الذي يريد الوصول للسلطة ببناء قاعدة شعبية من خلال تكتيكات الكراهية والخوف من المسلمين والمهاجرين فى أوروبا والتي ستؤدي إلى تعميق التهميش والعزلة المفروضة على المجتمعات المسلمة فى أوروبا التي تعاني من مشكلة الإنعزال من الأساس.ما رأيك؟
السفير: كما قلت من قبل : السويسريون لا يكرهون المسلمين
نتائج هذا التصويت تعكس القلق بين السكان ان أنظمتنا الوطنية و الاجتماعية يمكن أن تتآكل بفعل الرضوخ لتوجهات اسلامية اصولية. وعلى العكس فهناك بعض المخاوف بين المسلمين المندمجين في بلادنا أن انتشار الأصولية يمكن أن يزيد عزلتهم عن المجتمع السويسري.
لقد ظلت سويسرا ناجحة في نزع فتيل التوترات ذات الدوافع الدينية و في إيجاد حلول عملية للمشاكل . وإذا استطعنا أن نواصل القيام بذلك بشعور من التوازن والتبصر، وعدم تهميش الناس من ذوي الخلفيات الدينية أو الايديولوجية المختلفة ،الحكومة السويسرية سوف تبذل كل جهد للحفاظ على السلام الديني في المستقبل.
مصراوي: ولكن يا سيادة السفير كل هذا كلام دبلوماسي جميل والذي نلمسه على أرض الواقع يخالف كل هذا الكلام. ونتائج الإستفتاء خير دليل، فما هي البرامج "الحقيقية" التي تنفذ على أرض الواقع لنزع فتيل تصاعد المشاعر العدائية لكل ما هو إسلامي فى بلد يتنفس اقتصاده من مليارات البترول الإسلامية المودعه فى بنوك سويسرا؟
السفير: من يعيش في سويسرا يعلم أن سويسرا بلد متسامح كثير من الثقافات والدينية والجماعات العرقية استطاعت العيش معا بسلام. ولا تنسى: لدينا واحدة من أعلى معدلات الإقامة للمواطنين الأجانب في العالم. أكثر من 20% من المقيمين في سويسرا هم من الأجانب. انهم يشعرون بالراحة في سويسرا ، ويتمتعون بنوعية حياة جيدة، وكثيرا من هؤلاء الاجانب مسلمون من دول اسلامية مثل تركيا والبوسنة وكوسوفو ويندمجون بشكل جيد للغاية جاهدين ليصبحوا مواطنين السويسريين.
مصراوي: العديد من الجماعات في الولايات المتحدة ، بما في ذلك الجماعات اليهودية وغيرها من الجماعات الدينية ، قد أدانوا علنا هذه الانتخابات ونتائجها. هل تعتقد أن هناك تباين كبير بين معاملة الأقليات الدينية في أوروبا على عكس امريكا؟
أولا ، أود أن تتذكر أن مجموعات دينية هامة في سويسرا ، ومن بينها الجالية اليهودية ، والكنيسة البروتستانتية والكنيسة الكاثوليكية - وكلها ممثلة في المجلس السويسري للأديان - رفضت المبادرة الشعبية ، وأوصت بالتصويت بـ "لا".
النقطة الثانية: كانت الولايات المتحدة بوتقة تنصهر فيها جميع الخلفيات الدينية والثقافية التي هاجرت لها من البداية. هذا مختلف جدا في أوروبا ، حيث الشعوب والثقافات لها جذور عميقة وتاريخ طويل قبل موجات الهجرة.
لقد تعرضت العديد من الثقافات الأوروبية في الماضي للتهديد من جراء الحروب والاعتداءات. هذا قد يفسر الموقف الدفاعي الثقافي من العديد من البلدان الأوروبية الذين يحاولون الدفاع عن قيم أوروبية خاصة بهم عن طريق حث المهاجرين على الاندماج في مجتمعاتهم.
مصراوي: يقوم الإقتصاد السويسري على نظام بنكي يقوم على جلب أموال أثرياء العالم ومنها قسم كبير من أموال أثرياء العرب والمسلمين وهناك مليارات تم تهريبها من أموال شعوب مسلمة لتستقر فى بنوك سويسرا لتساهم فى بناء الرفاهية للشعب السويسري الذي تتأذى عيونه من رؤية المآذن. شركة نستلة تبيع بمليارات الدولارات منتجات ألبان وشيكولاتات للعالم الإسلامي يمكن بسهوله استبدالها بمنتجات دول لا تتأذى شعوبها من رؤية الرموز الإسلامية . ماذا سيكون رد فعل الحكومة السويسرية إذا توحد 1 مليار مسلم (1 / 4 من سكان الأرض) على مقاطعة المنتجات السويسرية؟
السفير: هذا سيكون أمرا مؤسفا، وسوف يشير إلى ان هناك سوء فهم حقيقي. الحكومة السويسرية مقتنعة بأن القرار الذي اتخذه الناخبون السويسريون لا ينتهك الحرية الدينية. المسلمون الذين يعيشون في سويسرا أحرار في بناء المساجد والعبادة. هناك العديد من البلدان الأخرى في العالم لا تضمن هذا الحق الأساسي للأقليات الدينية ولكن هذا الحق ما يزال مضمونا في سويسرا.
مصراوي: شكرا سيادة السفير
* أجرى الحوار في واشنطن د.أحمد غانم - مدير المعهد الأمريكي لأمراض النوم بولاية ميتشجان.