قال تعالى :(( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56) ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون (57) إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين (58) )) سورة الذاريات
*بسم الله الرحمن الرحيم*
الحمد لله رب العالمين ، خلق الإنسان وكرمه ، فأمره بعبادته ، قال تعالى ((يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون (21) )) وأرشده إلى طريق الفلاح ، قال تعالى (قد افلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون(2) )) ، ((قد افلح من تزكى(14) وذكر اسم ربه فصلى))
وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين ، أنعم عليه ربه بمعراج إلى السماء ، فتلقى في هذا المقام الجليل تكليف الصلاة.... فكانت بعد العقيدة أولى الواجبات ، وللمؤمنين أهم السمات ، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))
فالصلاةمن اهم العبادات التي يجب على كل مسلم أن يفقه أحكامها درساً وتطبيقاً ،لعظم قدرها ، وسمو مكانتها في الإسلام ، فإن كان الإيمان قولاً باللسانواعتقاد بالجنان ، فالصلاة عمل بالأركان وطاعة للرحمن .
والصلاة عبادة يجب أن تؤدى على وجهها المشروع ، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((...وصلّوا كما رأيتموني أصلي...)) فلا بد للمسلم أن يتعلم كل ما يتعلق بأحكام الصلاة حتى يؤدي العبادة على الوجه الصحيح .
وقد اعتنى القرآن الكريم بالصلاة عناية كبيرة ، فجاءت الآيات تأمر بإقامتها ، والمحافظة عليها ، قال الله تعالى ((وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون(56) ))وقال تعالى : ((أقم الصلاة لدلوك الشمس....))، وقال تعالى (وأقم الصلاة طرفي النهار...))
وقد وصف القرآن الكريم أهل الإيمان بأنهم يقيمون الصلاة ، قال الله تعالى : ((الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة...))، وتوعد الساهين عنها ، قال تعالى (فويلُ للمصلين (4) الذين هم عن صلاتهم ساهون(5) ))والمضيعين لها قال تعالى : ((فخلف من بعدهم خلفُ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً (59) ))
وتظهر مكانة الصلاة في القرآن فينادى لها ، قال الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم لجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع....))
ويأمر القرآن بالتطهر لها ، قال الله تعالى (ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافقوامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا....))
ويكون آخر كلام هادي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم وصيته بها : (( الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم ))
[b]والصلاة صورة من الصور التي يقوم بها الإنسان لعبادة خالقه ، وهي صلة بينالعبد وربه ، ومنزلتها من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد ، عن أبي عمر رضيالله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا صلاة لمن لا طهور له ، ولا دين لمن لا صلاة له ، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد ))
وتأتي منزلتها بعد الشهادتين لتكون دليلاً على صحة الاعتقاد وسلامته ، وبرهانًا على صدق ما وقر في القلب ، وتصديقاً له . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان ))
و إقام الصلاة : أداؤها كاملة بأقوالها و أفعالها ، في أوقاتها المعينة ، كما جاء في القرآن الكريم ، قال تعالى(( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً (103) ))
ويقفالمصلي في رحاب الله ، ليس بينه وبين الله واسطة ، فيشعر بالقرب من الله ،ويشعر بمعية الله له ، فتمتلئ جوارحه بالأمن والطمأنينة والثقة واليقين ،فيخشع راكعاً ، ويخشع ساجداً ، يستمد العون والتأييد ، قال الله تعالى ( قد افلح المؤمنون (1) الذين هم في صلاتهم خاشعون (2) ))
ويتوالىفرض الصلاة ونفلها على المسلم ، لا يمنعه عنها عذر من مرض أو سفر ، وحيثماانتقل لازمته فريضة الصلاة ، يؤديها أينما تيسر له ، قال صلى الله عليهوسلم : ((….وجعلت لي الأرض مسجداً و طهوراً ، وأيما رجلٍ من أمتي أدركته الصلاة فليصل.....)) فالأرضكلها مكان عبادة إذ لا تختص العبادة بين جدران بيت الله ، فكل الأرض واقعةفي سلطان الله ، وعلى المرء أن يتقي الله حيثما تقلب به المكان.
وتكاد تكون الصلاة جامعة لأركان الإسلام:
فكمانعلم أن الزكاة طهرة المال ، والصلاة طهرة للأوقات ، وطهرة للإنسان ممايرتكبه من معاصٍ في أوقاته ، وفجوات الأزمان التي بين صلواته ، وكفى علىذلك شهيداً قوله صلى الله عليه وسلم(أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمساً ، ما تقول ذلك يبقى من درنه ؟ قالو : لا يبقى من درنه شيئاً ،قال : فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا ))
ويأتي الأمر بالزكاة بعد الأمر بالصلاة
قال تعالى ( وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة )) ، (( أقاموا الصلاة وآتو الزكاة ))
(( وأقام الصلاة وآتى الزكاة )) ، (( وأقمن الصلاة وآتين الزكاة ))
((وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حياً ))
كما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر :
وتأتيالصلاة لتعالج النفس البشرية من نوازع الشر حتى تصفو من الرذائل ، ويبتعدصاحبها عن كل منكر فعندما يقف المسلم بين يدي ربه ويقرأ في الصلاة القرآن، ويتأمل الآيات ، ويتدبر المعاني ، فترد آيات العذاب ، وأن الله شديدالعقاب ، فترتعد نفسه ، وتلتفت عن غيها ، فإذا تمكن من نفسه الخوف من الله، زجره ذلك عن كل فحشاء ومنكر.....وتردآيات الرحمة والنعيم والجنات ، فتهفو نفسة إلى نيل الدرجات ، والفوزبالجنات ، فتزداد خشيته لله ، فيتقي عذابه ، ويسعى لنيل رضاه والفوزبنعيمه ، بالتواضع لأوامره واجتناب نواهيه ، قال الله تعالى: (( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون (45) ))
ولعلالسر في كثرة المصلين ، وضعف أثر الصلاة في سلوكهم ، هو أنهم لم يؤدوهاإلا بهيئتها فقط ، من قيام وركوع و سجود ، ودعاء وتسبيح ، وتكبير وتحميد ،ولم يبلغوا درجة إقامتها تامة بحضور القلب فيها ، وهكذا يتفاوت المصلون فيالأجر والثواب ومدى استقامتهم في تنفيذ منهج الله ، مع أن الأعمال التييؤدونها في الصلاة واحدة .
جاء في الأثر(( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ))
انظر إلى المنافقين الذين يودون الصلاة مع رسولالله صلى الله عليه وسلم ، ورغم ذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار ، قالالله تعالى ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا لصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليل (142) مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً (143) ))
ويصور القرآن الكريم حال أهل النار ، عندما يسألون عن سبب ما هم فيه من عذاب ، قال الله تعالى : ((كل نفس بما كسبت رهينةُ (38) إلا أصحاب اليمين (39) في جنات يتساءلون (40) عن المجرمين (41) ما سلككم في سقر (42) قالو لم نك من المصلين (43) ولم نك نطعم المسكين (44) وكنا نخوض مع الخائضين(45) وكنا نكذب بيوم الدين (46)حتى أتانا اليقين (47) فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48) )) فالصلاة أول عمل كفر به أولئك المكذبون ، وأول ما يندمون على تضييعه يوم القيامة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ،فإن صلحت صلح له سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله ))
وجوب الوضوء للصلاة :
وقبل أنيبدأ العبد في الصلاة ، يجب أن يكون طاهراً من الحدث الأكبر والحدث الأصغر، ويرتفع الحدث الأكبر بالغسل ، ويرتفع الحدث الأصغر بالوضوء .
وقد ثبتت مشروعيته في الكتاب والسنة والإجماع ، قال الله تعالى (ياأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافقوامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنباً فاطهروا....))
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ))
وقد انعقد إجماع المسلمين على مشروعية الوضوء ، فصار معلوماً من الدين بالضرورة
وحتييقف الإنسان بين يدي الله ليؤدي الصلاة ، عليه أن يستعد بالطهارة ، وسترالعورة ، وترديد الأذان ، والتوجه إلى القبلة ، ولا يؤدي صلاة الفريضة إلاعندما يحل وقتها .