عندما تشعر بأنك ..
أصبحت غريبا بين من تنتمي إليهم ...عندما تشعر بأنك غير مرغوب فيك ...وعندما ينسون إحسانك إليهم ولا يتذكروا ويضخمون أي خطأ منك ...
شعور
صعب عندما لا يحس بمعاناتك الآخرين ..وتصطدم بالواقع المر ..ويتوه منك
الكلام ..وتذرف الدمع حسره ..وتكاد أن تصرخ أنا منكم ..أنا منكم ..إلى من
تتركوني ..؟!!
لماذا أصبحت القلوب ضيقة والمفاهيم مغلوطة والظلم سائد ..والحقيقة مرّه ومهزومة في أنفسنا ... !
بكل
مابك من تاريخ معهم ..وبكل ما أعطيتهم من جهدك وحبك ....تجرح كرامتك
الثمينة و تنذر بالطرد من بشر غطت على قلوبهم غشاوة الحقد والطمع ..دخلوا
الى عالمك فنتهكوها
كما نرى من واقعنا أمثلة لقلب أمٍ يتفطر قلبها ألم وابنها الوحيد يسوقها
الى دار المسنين بقرار من زوجة كانت غريبة لتملك الدنيا الحقيرة ...
أو
أب يضع كفه على خده وهو يسمع خصام أبنائه أيهم يكفل أباه فلكل مشغول
بأسرته ...ذلك الاب الذي كان يكفلهم إلى أن أصبحوا كباراً قادرين على جحده
.....!
وكما ذلك الإنسان المطرود من وطنه وينفى إلى حيث ينفى لا يهم ...
فهل قبل ان تصطدم معهم ...هل تقرر الرحيل ؟!!
الرحيل
فقط ..بدون أن تودعهم ..مع كل ما تملك لهم من الحب ...تعلم أنك ضائع
..ولكن ربما تجد مكان في الارض تقضي ما تبقى فيه من عمرك ..تدعوا ربك بأن
يصبرك ويثبتك وربما تجد أناس كانوا مطرودين قد ضمدوا جراحهم ..
ولكن
مهما ضمدت جراح الغربة فإنها ستنزف مع كل ذكرى من ذكريات الصبا ..مع ذكرى
أحباء رحلوا ..وارض زرعت فيها جذورك ..ولكنها ستبقى ذكرى ...وما اقسى ظلم
الانسان ...
....لماذا لا نشعر بقيمة الانسان إلا حينما نفقده ؟!!
لماذا كثيرا ما يكرم العالم أو الشاعر بعد موته ولا يعرف إلا بعد أن يواري التراب بعد أن مات حسرة على من لم يقدروه؟!!
لماذا نبكي ندماً عندما نفقد شخص عزيز علينا لأننا انشغلنا عنه أو لم نعتذر منه او سببنا له الأسى ..لما جاء الندم متأخر؟؟
.... الرحيل ... بلا ... صوت .....
إذا قررت الجري يوماً ...فاصطدمت بالجدار..
أو فكرت في الطيران إليهم ..فاصطدمت بالسقف ..
أو حاولت السباحة نحوهم ..فتحول البحر إلى كتلة من الثلج ..
فعندها فقط ..انتعل إحساسك بالإحباط
وارحل بلا صوت ...
وحين تكتشف: أن الزمان ليس زمانك ...
وأن المكان ليس مكانك ...والاحساس ليس إحساسك ...
وأن الأشياء حولك لم تعد تشبهك ...وأن مدن أحلامك ما عادت تتسع لك
عندها ..لا تتردد ...
وارحل بلا صوت ...
وعند الرحيل ..
لا
تضيع وقتك في البحث في أحشاء اللغة لإنتقاء كلمات الحب أو الاعتذار او
الوداع ..فكل الكلمات التي تولد لحظة الفراق ..إنما هي مجرد محاولات فاشلة
...لتبرير وتفسير هروبك...
وعند الرحيل أيضا....
يغلق البعض في وجهك كل أبواب الرحيل ..كي يمنعك من الرحيل ..لانه يحبك ..
والبعض يعترف لك بحبه عند الرحيل ..كي يبقيك معه ...
ويكتشف البعض الاخر أنه يحبك بعد الرحيل ..فيحترق ويحرقك بإكتشافه المتأخر...
وحين تقرر الرحيل ...
لا تدفن رأسك في الرمال كمالنعامة...
كي لا تلمح وجوه اولئك الذين أحبوك بصدق...وراهنوا على بقائك معهم ..فخذلتهم برحيلك..
ولا تبك بصوت مرتفع كالاطفال ..كي يصل صوتك لأولئك الذين أحببتهم بالصدق ذاته..فخذلوك..
وأترك المساحات خلفك بيضاء وشاسعة لهؤلاء وهؤلآء ..كي يمارس كل منهم طقوس حنينه إليك بطريقته الخاصة..
وتأكد مهما كان لون او شكل حجم صمتك عند الرحيل ..
فلرحيلك صوت قد تسمعه كل الكائنات ..لكنه ..لن يؤلم ابدا..ولن يصل إلا لأولئك الذين يشكل لهم وجودك شيئا من الوجود
وللرحيل أكثر من نافذة وأكثر من باب ..
وتراودني كثيرا فكرة الرحيل بلا أجنحة ..والطيران بعيدا عن كل الأشياء...
وإحكام إغلاق أبواب ونوافذ العودة خلفي ..
والبدء من جديد في عالم جديد ...
برغم يقيني التام ...أن محاولة الطيران بلا أجنحة حماقة لن يغفرها لى التاريخ يوماً...
ومضة:::الرحيل بلا صوت هو أجمل هدية نقدمها لانفسنا كي نختصر بها مسافات الألم و الإحباط والفشل ..حين نشعر بأن كلماتنا لا تصل إليهم ...