حالة من القلق الشديد والترقب سادت أسواق أجهزة التليفونات المحمولة فى مصر خلال الأسبوع الماضى، مع بدء تطبيق قرار الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات بإلزام شركات المحمول الثلاثة بمنع الخدمة عن أجهزة الموبايل الصينى «المقلدة والمهربة»، مما أثار جدلاً واسعاً حول إمكانية تطبيق هذا القرار من عدمه.
رغم أن «الشهرية» التى ترسل إلى سعيد راشد، الطالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، من أهله فى محافظة المنيا، تكفى بالكاد مصاريف الدراسة والمعيشة فى المدينة الجامعية، إلا أن هذا لم يمنعه من أن يدخر بضعة جنيهات شهرياً ليتمكن مع بداية العام الدراسى من شراء «موبايل»، ويقول: «الميزانية ضعيفة ولكن المحمول ضرورى، لتسجيل المحاضرات والتواصل مع الزملاء والأهل»، ويكمل ضاحكاً: «ولا مانع من بعض الروشنة بالكاميرا، والتسلية بالأغانى، مهو مش كلوا دراسة».
ومع ارتفاع أسعار أجهزة المحمول التى تصل أحياناً إلى ما يزيد على ٤ آلاف جنيه، كان الحل بالنسبة لسعيد راشد «الموبايل الصينى»: «أعرف جيداً أنه ليس الأفضل ولا يقارن بالماركات العالمية، ولكن البديل كان يزيد عشرة أضعاف الميزانية المحدودة»، ويضيف: «بعد فصال شديد وصل ثمن جهازى إلى ٣٠٠ جنيه، والدفع تم على ثلاث دفعات، وبه كاميرا وراديو ومشغل أغانى ومسجل».
أغلب أجهزة «الموبايل الصينى» تعانى من بعض المشكلات الفنية، فتتوقف أحياناً عن العمل «بتهنج»، وتحتاج فى هذه الحالة إلى إعادة تشغيل، وأحياناً يتطلب الأمر «تنزيل سوفت»، بس الحال كان ماشى وهو أحسن من مفيش، على حد قول راشد، ولكن الظروف لم تدم على هذه الحال، بعد قرار الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات بإلزام شركات المحمول الثلاثة بداية من شهر مارس الحالى بإيقاف أجهزة الموبايل الصينى التى تعمل برقم تسلسلى واحد «Serial Number»، ورغم أن جهاز سعيد لم يتوقف عن العمل حتى الآن، ويقول: «معرفش الكلام ده صح ولا غلط، بس ياريت المسؤولين يفكروا قبل ما يقطعوا عنى الحرارة، أنا مليش ذنب».
ويضيف زميله أيمن عواد، يحمل نفس ماركة جهازه الصينية وإن كانت من نوع مقلد: «الحكاية شكلها جادة، فمن يومين وصلتنى رسالة قصيرة SMS، من شركة المحمول اللى أنا مشترك فيها، تقول إنهم هيقطعوا الخدمة عنى. ويشير إلى أن أحد أصدقائه طمأنه بأن «محال الموبايل والسوفت وير تفتح أى موبايل معموله «luck».
حاول بعض المستخدمين الاستعانة بجهاز حماية المستهلك، ولكن الجهاز أكد على لسان رئيسه المهندس سعيد الألفى، أن الأمر خارج عن إطار سيطرة جهاز حماية المستهلك.
وقال: «الجهاز ليس لديه دور فعال تجاه هذه القضية طالما ليس هناك أى دليل على شرعية الأجهزة أو فواتير تدل على شراء تلك الأجهزة». مشيراً إلى أن الجهاز يقوم بتحويل شكاوى المستخدمين إلى جهاز تنظيم الاتصالات باعتباره الجهة المنوطة بحلها.
الغريب فى الأمر أن عملية البيع والشراء لأجهزة «الموبايل الصينى»، مازالت مستمرة وإن كانت أقل من معدلاتها الطبيعية، خاصة فى شارع عبدالعزيز فى منطقة وسط البلد، وأكد أغلب التجار أن الطلب عليها مازال مستمراً، وإن كان أغلبهم لم يسع إلى تسلم شحنات جديدة، ويقول أحمد نشار، صاحب فاترينة: «البيع صحيح قليل بس فى ناس بتشترى»، ويضيف وهو يعيد ترتيب عملية عرض الموبايلات فى فاترينته التى تقع فى وسط شارع عبدالعزيز: «مش ناوى أشترى بضاعة جديدة قبل ما أصرف القديمة، ونشوف الحكاية هترسى على إيه مع الحكومة وشركات المحمول».
ويقول مصطفى الصعيدى، تاجر محمول جملة: «التجار والمستوردون يأملون فى التفاوض مع الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات لكى يسمح لهم بدخول تلك الأجهزة بطرق شرعية مقابل رسوم تسدد عن كل جهاز»، مشيراً إلى أن نسبة المبيعات لديه فى الوقت الحالى منها ٨٠ % للموبايل الصينى، و٢٠ % للماركات الأخرى العالمية، سواء للأفراد أو لتجار القطاعى.
«عملية إعادة تشغيل الجهاز من تانى مش صعبة» هذا ما أكده أحد مهندسى صيانة الموبايل، فضل عدم ذكر اسمه، وأضاف: «عملية إيقاف الخدمة عن العدد الصينية من السهل حلها خلال يوم واحد»، وأشار الى أن أجهزة «SIM Turbo» التى تعمل على فك شفرات الموبايلات ولا تعمل على الشبكات فى مصر، يمكنها أن تكون الحل، عن طريق تغيير «السريال نامبر» الخاص بالجهاز، ومن ثم يمكن إعادة تشغيله مرة أخرى.
وسيكون ذلك مصدر دخل كبيراً لكل من يعمل فى هذا المجال، مما يعنى أن دخلاً جديداً سيأتى لمحال الصيانة: «وربنا بيقطع من هنا وبيوصل من هنا» على حد قوله.
محمد ناجى، رئيس مجلس إدارة شركة I٢، إحدى الشركات الموزعة لأجهزة الموبايل الأصلية، رفض فكرة أن الناس تذهب لشراء الصينى لأن فارق السعر كبير جداً، مقارنة بالأجهزة الأصلية، وقال: «الآن الأسعار أصبحت متقاربة، ولا يوجد فارق شاسع فى الأسعار مثلما كان الحال عليه قبل عامين»، وأضاف: «الفارق السعرى بين الموبايل الصينى والماركات العالمية انخفض بنسبة ٤٠%، نتيجة التنافسية الشديده بينهما».
الهجوم الشديد على «الموبايلات الصينى» دفع هيثم العبودى، رئيس مجلس إدارة شركة «إيفرست» إلى ترك توكيل الموبايل الصينى «إنى كول»، ويقول: «رغم أن جميع أوراقى كانت سليمة إلا أننى فضلت أن أتنازل عن هذا التوكيل بسبب كثرة الأعطال الفنية».
ويضيف: «قررت أن أصنع بنفسى أجهزة تحمل ماركة مصرية، وبالفعل نزلت للسوق». وأكد أن الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات وافق على طرح أجهزته التى يتم تجميعها فى مصر طالما اجتازت الاختبارات الرسمية». وأشار إلى أن أهم معيار «للموبايلات» الأصلية أن تحمل علامة الجودة الأوروبية CE. ويرى أن وضعه حالياً مع «موبايله» المصرى، أفضل من «الصينى»، المعرض لحملات التفتيش الحكومية بصفة دائمة.
وكشف الدكتور عمر الشريف، المستشار القانونى لجهاز حماية المستهلك، أن الفترة القليلة الماضية تم ضبط عدد كبير من الأجهزة الصينية المهربة، التى تسبب مشكلات فنية كبيرة تضر بشبكات المحمول. ورفض الشريف الإفصاح عن خطة الجهاز ولا عن أسلوب الحملات التى سيتبعونها فى الفترة القادمة، وقال: «لا يمكن أن نصرح بخطة حملاتنا لكى لا يتخذ المخالف احتياطاته ويتم ضبطه بسرعة».
كان الدكتور عمرو بدوى رئيس الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات أكد فى تصريح لبرنامج «صباح الخير يا مصر» أن قرار قطع الخدمة يشمل فقط أجهزة المحمول الصينى غير المطابقة للمواصفات والمجهولة الهوية، وليس جميع العدد الصينية أو خطوط الموبايل. وأضاف بدوى: يستثنى من الأجهزة الصينية الماركات العالمية التى تصنع فى الصين، وكذلك الأجهزة المطابقة للمواصفات والتى دخلت البلاد بطريقة شرعية.
ولفت إلى أن السبب وراء هذا القرار يرجع إلى أن الأجهزة الصينية تسبب مشاكل فى الشبكات بسبب تكرار الرقم المسلسل لأكثر من جهاز، وتسبب كذلك، حسب قوله، مشاكل صحية تتمثل فى تأثير ترددات الخطوط ، خاصة أن الأجهزة الصينية تحتوى على مكان لشريحتين مما يضاعف الخطر.. المشاكل الأمنية نقطة مهمة لفت بدوى النظر إليها قائلاً: «يصعب تعقب هذه الأجهزة لتشابه أرقامها المسلسلة».